الرئيس التنفيذي درع الشركة في الأزمات وسر صمودها

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

في ظل تقلبات المشهد العالمي، تبرز أهمية ترسيخ مفاهيم المرونة في بيئة العمل المؤسسية. ورغم تنامي التحديات، تكشف دراسة حديثة صادرة عن "ماكنزي" عن فجوة في استعداد القيادات لمواجهة الأزمات المستقبلية، حيث أفاد 84% من القادة بأنهم غير مستعدين للاضطرابات المقبلة، في وقت يرى فيه 60% من أعضاء مجالس الإدارة أن شركاتهم تفتقر للجاهزية الكافية أمام الأحداث الكبرى المحتملة.1

وعندما نتحدث مع كبار الرؤساء التنفيذيين حول العالم، نكتشف أن أغلبهم يركزون جهودهم على التعامل مع المواقف الصعبة والمفاجئة التي تؤثر في أعمالهم بشكل مباشر. هذه المواقف تشمل أزمات ضخمة مثل التغيرات الكبيرة في سياسات التجارة العالمية، أو الصراعات التي تحدث في مناطق مثل أوروبا والشرق الأوسط، وأيضًا الاضطرابات الفكرية والسياسية الأخرى التي قد تبدو بعيدة، لكنها في النهاية تؤدي إلى عواقب مالية وتشغيلية تؤثر في صميم العمل. لكن الأمر لا يقتصر على الأزمات الكُبرى فقط؛ فهم أيضًا يتعاملون مع اضطرابات أصغر مثل التقلبات المفاجئة في أسعار الأسهم، أو العيوب التي قد تظهر في المنتجات.2

وعلى الرغم من أن الوقت يشكل دائمًا تحديًا كبيرًا للرؤساء التنفيذيين، إلا أنه يجب عليهم بوعيٍ واهتمام أن يستثمروا في بناء وتعزيز المرونة. هذه المرونة هي قدرة الشركة على الاستعداد لأي اضطرابات، والاستجابة لها بفعالية، والاستفادة منها لتحويل التحديات إلى فرص. كما أن الأبحاث تُظهر بوضوح أن حوالي نصف أداء أي شركة مرتبط بشكل مباشر بقيادة رئيسها التنفيذي.3 وفي حين يساهم قادة آخرون في الشركة أيضًا في تطوير هذه المرونة التنظيمية، مثل مدير المخاطر والمدير المالي ومدير الموارد البشرية، فإن الرئيس التنفيذي وحده هو من يمتلك النظرة الشاملة التي تمكنه من تقييم مستوى المرونة في المؤسسة ككل، وزيادتها، وجعلها جزءًا لا يتجزأ من طريقة عمل الشركة وهويتها.

في رأينا، توجد أربعة أنواع أساسية من المرونة: المالية، والتشغيلية، والتنظيمية، والخارجية. وعلى الرؤساء التنفيذيين أن يفهموا هذه الأنواع كلها جيدًا، وذلك لكي يقوّوا قدرتهم على الصمود بفعالية.

المرونة ليست مفهوماً واحداً، بل شبكة متكاملة من القدرات تشمل أربعة أبعاد رئيسية: المالي، التشغيلي، التنظيمي، والخارجي. وفهم هذه الأبعاد بعمق هو ما يمكّن الرؤساء التنفيذيين من بناء مناعة استراتيجية فعالة في وجه الاضطرابات. يمكنك أن تتخيلها كـ "عضلة" تحتاج للتمرين لتصبح أقوى؛ فكلما فهموها وطبقوها، زادت قدرة شركتهم على مواجهة التحديات بمرونة أكبر. (يمكنك الاطلاع على العمود الجانبي الذي يوضح "فهم الأنواع الأربعة المختلفة للمرونة").

بعد فهمنا هذه الأنواع المختلفة من المرونة بشكل أفضل، يمكن للرؤساء التنفيذيين اتخاذ خمسة إجراءات أساسية لجعل مؤسساتهم أقوى وأقل عرضة لأي صدمات مفاجئة. هذه الإجراءات المقترحة ليست مجرد نظريات، بل هي نتاج محادثاتنا وتجاربنا مع رؤساء تنفيذيين من حول العالم، بالإضافة إلى أبحاثنا المستمرة في هذا المجال على مدار العشر سنوات الماضية:

  • اجعل المرونة جزءًا لا يتجزأ من رؤية الشركة: يجب ربط استراتيجية الشركة بقدرتها على الصمود بشكل وثيق جدًا، بحيث تصبح المرونة جزءًا أساسيًا ومحوريًا من طريقة تفكير وعمل المؤسسة بالكامل، كأنها جزء من حمضها النووي.
  • ابنِ مرونة شاملة لكل أجزاء الشركة: من المهم الانتباه جيدًا لجميع أبعاد المرونة المتعددة داخل المؤسسة، ثم قَيِّم كيف يمكن لكل نوع من أنواع المرونة أن يعوض نقصًا في الآخر أو يقويه، بحيث تعمل كلها معًا كنظام متكامل يدعم بعضه بعضًا.
  • افرض القرارات الحاسمة على كبار القادة عندما تكون المرونة على المحك: حين تكون المرونة على المحك، لا مجال للتردد. يجب أن تتخذ القيادة العليا قرارات حاسمة، حتى لو تطلّب الأمر تدخلاً مباشراً لفرض التوجه. فترسيخ المرونة لا يتحقق بالكلام، بل بغرسها في تفاصيل القرار اليومي والاستراتيجية الكُبرى.
  • ابنِ فريقًا صلبًا واستثمر في مرونة الأفراد: تشير توجهات الإدارة الحديثة إلى أهمية الاستثمار في بناء فرق عمل تتسم بالصلابة النفسية والمرونة. ويتحقق ذلك عبر تعيين أفراد لديهم القدرة على التكيّف، والانفتاح على التحديات، والالتزام بهذه السلوكيات، مع ضرورة أن يمثل القادة نموذجاً عملياً يُحتذى به.
  • ابنِ علاقات قوية مع جهات خارجية متنوعة: لكي تكون مستعدًا لأي اضطرابات أو تغييرات مفاجئة قد تحدث في المستقبل، من المهم جدًا بناء شراكات قوية ومتينة. هذه الشراكات ستمكن شركتك من الاعتماد على الدعم والمساعدة من الأطراف الخارجية، مثل الموردين أو الشركاء الاستراتيجيين، عند مواجهة تلك التحديات. هذه التحالفات والعلاقات الجيدة تصبح ذات أهمية حاسمة، خاصة عندما تفكر الشركات في القيام بتحولات كبيرة وجريئة في استراتيجيتها، سواء كان ذلك بسبب أحداث داخلية تخص الشركة أو أحداث خارجية تؤثر عليها.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل كل واحدة من هذه الإجراءات الخمسة، وسنسلط الضوء على الدور الفريد للرئيس التنفيذي في بناء المرونة داخل الشركة. ويشير المقال إلى أن الالتزام بهذه الخطوات لا يعزز فقط فرص النمو في الأجلين القريب والمتوسط، بل يضع أيضاً الأساس لبناء مؤسسات متماسكة وقادرة على مواجهة المستقبل.

اجعل المرونة جزءًا لا يتجزأ من رؤية الشركة

وقد أظهرت دراسة أعدّتها "ماكنزي" أن انسجام الفريق القيادي في تبني رؤية موحدة يعزز من فرص تحقيق أداء أعلى من المتوسط بما يقارب الضعف. ويتحمل الرئيس التنفيذي مسؤولية صياغة هذه الرؤية وتوجيه الفريق نحوها،4 غير أن التقلبات التي تشهدها بيئة العمل تُصعّب توحيد الصفوف خلف رؤية موحدة. وتشير بيانات صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي و"ماكنزي" إلى أن أكثر من 40% من الشركات تفشل في إيصال رؤيتها وقيمها بشكل متسق خلال فترات عدم الاستقرار.5

يجب على الرئيس التنفيذي أن يعيد توجيه دفة الشركة بالكامل لتصبح أكثر مرونة وقدرة على الصمود. وهذا ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة قصوى، حتى في الأوقات الصعبة للغاية، بل خاصة خلالها. فالرئيس التنفيذي هو مَن يحدد النبرة والتوجه العام للجميع داخل المؤسسة، كأنه قائد الأوركسترا الذي يضبط إيقاع العمل. فالرؤساء التنفيذيون الذين يبرعون في ذلك يركزون دائمًا على عدة مبادئ ذهبية: فهم يتعمدون النظر إلى الأمور من منظورين، قصير وطويل الأجل، ويتبنون عقلية "عابرة للأزمات" لا تكتفي بالتعامل مع الحاضر بل تستعد للمستقبل البعيد. إضافة إلى ذلك، فهم يربطون المرونة بالنمو ربطًا لا ينفصم، كأن أحدهما لا يكتمل إلا بالآخر. كما أنهم يقومون بحقن الضغوط والتحديات في نظام العمل بشكل استباقي، ليس فقط للاختبار، بل لتقوية الشركة وتجهيزها لما هو قادم.

التوازن بين اليوم والغد وبناء عقلية شاملة لكل الظروف

يخبرنا "آلان بيجاني"، الرئيس التنفيذي السابق لشركة ماجد الفطيم، في حواره مع ماكنزي، عن نقطة مهمة جدًا: يجب أن يكون لدى المدير الناجح "عين في المجهر والأخرى في التلسكوب". وهذا يعني أن عليه أن يراقب التفاصيل الدقيقة والقريبة جدًا (كأن يرى بالمجهر)، وفي الوقت نفسه ينظر إلى الصورة الكبيرة والأهداف المستقبلية البعيدة (كأن يرى بالتلسكوب). هذه النظرة المزدوجة تمكن الرؤساء التنفيذيين من مراقبة شركاتهم باستمرار ليتأكدوا من عدم وجود أي نتائج غير متوقعة أو تأثيرات جانبية قد تظهر بسبب أي تغييرات مفاجئة، أو ما يمكن أن نسميه "القفزة الثانية للكرة"؛ أي أن الأزمة الأولى قد تتبعها عواقب غير متوقعة تؤثر في وضع الشركة. في الواقع، الرؤساء التنفيذيون البارعون يضعون دائمًا الأهداف طويلة الأجل في حسبانهم عندما يقررون متى وكيف يغيرون خططهم، خاصة عندما لا تسير الأمور كما خططوا. فهم يدركون جيدًا أن التمسك بالخطة الأصلية قد يكون الخيار الأفضل في بعض الحالات، حتى لو تطلب منهم ذلك التخلي عن بعض المكاسب السريعة أو قصيرة الأجل، وذلك للحفاظ على تأثير إيجابي ودائم على المدى البعيد.

ولعل خير مثال على ذلك، ما حدث مع رئيس تنفيذي لإحدى شركات الخدمات المالية. فقد واصل هذا القائد المُلهم توظيف الكفاءات العالية والمهمة لأدوار حيوية في شركته، حتى في الوقت الذي بدأت فيه إيرادات الشركة بالانخفاض، خاصة مع إطلاق مبادرة استراتيجية جديدة. لقد أدرك الرئيس التنفيذي بذكاء أن وجود هذه المواهب المتميزة، التي تحمل آراء جديدة وخبرات من خارج الشركة، سيكون أمرًا بالغ الأهمية لضمان نجاح هذه المبادرة. وليس هذا فحسب، بل إنها ستمكّن الشركة من التموضع بشكل أفضل لتحقيق نمو مستقبلي كبير. لذلك، تمسك هذا القائد بقوة برؤيته طويلة الأجل وبخطة التوظيف التي وضعها فريقه، وبالفعل، لم يطل الانتظار حتى عادت إيرادات الشركة للارتفاع بقوة.

نمو شركتك يزدهر بمرونتها برابط وثيق لا ينفصل

يحرص معظم الرؤساء التنفيذيين أصحاب الأداء العالي على جعل النمو أولوية قصوى لهم. وفي الحقيقة، نجد أن حوالي 72% منهم يحددون أهدافًا طموحة تتجاوز بكثير متوسط أداء السوق، وذلك مقارنة بمنافسيهم في نفس الصناعة. هؤلاء القادة المتميزون يدركون تمامًا أن المرونة ليست مجرد ميزة، بل هي وقود يدفع الابتكار ويحفز النمو في تلك البيئات المتقلبة والمتغيرة باستمرار التي نعيشها. لذلك، فإنهم يقومون بعمليات تخطيط وتحضير منهجية ودقيقة للغاية. وكما يفعل أفضل الرياضيين الذين يستغلون فترات الهدوء للتدريب وصقل مهاراتهم، يستفيد هؤلاء الرؤساء التنفيذيون من الفترات الهادئة نسبيًا داخل شركاتهم لتعزيز وبناء القدرات الأساسية التي ستُحسن بشكل كبير من أداء المؤسسة على المدى الطويل.

ولتعزيز هذه المرونة بشكل استباقي، ينبغي على الرؤساء التنفيذيين التفكير بجدية في إدخال ضغوط وتحديات مدروسة إلى نظام العمل لديهم. يمكنهم القيام بذلك عبر سيناريوهات "ماذا لو؟" التي تتخيل أسوأ الاحتمالات، أو جلسات التقييم المسبق للفشل (حيث يتخيلون فشل مشروع ويحللون الأسباب المحتملة)، أو حتى من خلال المحاكاة والتمارين المشابهة. هذه الأدوات لا تهدف فقط لتقييم جاهزية المؤسسة، بل تساعد البيانات الناتجة عنها في تحديد مستويات المرونة الحالية والاحتياجات المستقبلية. على سبيل المثال، كان "ريد هاستينغز"، الرئيس التنفيذي السابق لنتفليكس، يتحفز فريقه بسؤال افتراضي: "تخيل أن نتفليكس قد فشلت بعد 10 سنوات، ما هي الأسباب؟".6 وفي سياق مشابه، كانت "سارة فرايار"، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "نيكستدور"، تُجري تمارين دورية لتقييم كيف يمكن لإطلاق منتجات جديدة أن "يخرج عن مساره"، كما استضافت اجتماعات لمناقشة المشكلات بشكل شامل.7 في النهاية، هذا النوع من الاختبارات الموجهة ولعب الأدوار يسهم بشكل كبير في بناء برنامج قوي وشامل لتقوية مرونة المؤسسة والحفاظ عليها على المدى الطويل.

تعزيز المرونة المؤسسية على جميع المستويات

تمامًا كما هو الحال في تطور جسم الإنسان، فإن تطور المؤسسات قد لا يكون متوازنًا دائمًا؛ فلا توجد شركة ستكون قوية بنفس القدر في جميع أبعاد المرونة الأربعة: المالية، التشغيلية، التنظيمية، والخارجية. لكن، هناك عواقب قد تواجه الشركات عندما يتطور جانب واحد بشكل مبالغ فيه بينما يتم إهمال جانب آخر. على سبيل المثال، قد تركز المؤسسة على تحسين العمليات الداخلية لديها بشكل كبير، ولكن على حساب بناء وتطوير المواهب المناسبة لتنفيذ تلك العمليات بفعالية. أو قد تنشأ ثقافة "البطل" داخل الشركة، حيث تعتمد المؤسسات بشكل كبير جدًا على أفراد أو مجموعات معينة للتدخل وإصلاح المشكلات عندما تسوء الأمور، وهذا يؤدي في النهاية إلى إرهاق الموظفين واستنزاف طاقاتهم.

بدلًا من ذلك، ينبغي على الرؤساء التنفيذيين أن يربطوا رؤية الشركة بوضوح تام بالمهام اليومية التي يؤديها الموظفون. بهذه الطريقة، سيتمكن الموظفون من رؤية كيف يساهم دورهم الخاص في تحقيق الهدف الأكبر للمؤسسة. ونتيجة لذلك، يصبحون أكثر قدرة على التكيف والمثابرة عند مواجهة أي تحديات أو عقبات.

المرونة الحقيقية لا تتحقق في مؤسسة تعتمد على بطل واحد وقت الأزمات، بل تُبنى من خلال استعداد متوازن ومنهجي يشمل كل جوانب المؤسسة. على الرئيس التنفيذي أن يتعامل مع المنظمة كما يتعامل الرياضي مع جسده؛ يُمرّن كل عضلة تنظيمية بانتظام، يراقب أداءها، ويُلاحظ متى تُجهد أو تضعف. عندما تُستشعر هذه العلامات، لا ينتظر من فرد واحد أن يحل الأزمة، بل يفعّل خططًا وعمليات مُهيّأة مسبقًا تسمح للنظام ككل بالتفاعل والتعافي بسرعة. هذا النهج يضمن ألا تعتمد المؤسسة على مبادرات فردية وقت الخطر، بل على نظام قادر على المواجهة الجماعية.

من بين الخطوات المهمة في بناء المرونة المؤسسية الكاملة، إلى جانب تطوير الإجراءات، أن يتبنى الرئيس التنفيذي نهج التعلم من الأزمات. ويقصد بذلك أن يتم تحليل الأزمة فور وقوعها، واستخلاص الدروس، وتطبيق التغييرات اللازمة للحفاظ على الأداء المؤسسي على المدى الطويل. في هذا السياق، يُذكر مثال من قطاع التكنولوجيا، حيث قام "جورج كيرتز"، الرئيس التنفيذي لشركة "CrowdStrike"، بإطلاق إطار عمل جديد بعد تعرض الأنظمة لعطل تقني عالمي بسبب تحديث برمجي. أطلق عليه اسم "Resilient by Design"، وركّز فيه على ثلاث زوايا تتضمن: "دمج المرونة في جميع الأنظمة والإجراءات"، و"تكييف الحلول وفقاً لاحتياجات كل صناعة"، "التحسين المستمر". وأكد كيرتز أن تعزيز المرونة المؤسسية أصبح أمراً أساسياً لا يمكن تجاهله.8

افرض القرارات الحاسمة على كبار القادة عندما تكون المرونة على المحك

في اللحظات التي تتعرض فيها الشركة لضغوط هائلة وتصبح مرونتها على المحك، يتوجب على الرؤساء التنفيذيين التدخل بشكل مباشر وحاسم. كما عليهم أن يبرزوا أهمية هذه الأوقات المصيرية في كل قرار يتخذونه يوميًا، وفي كل مبادرة استراتيجية جديدة، بل وأن يفرضوا توجهًا معينًا إذا لزم الأمر لضمان صمود الشركة. ولنأخذ مثالًا حيًا على ذلك: لقد فعلها الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات عندما كان فريقه القيادي يواجه مبادرة تتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة. هذا القائد لم يتردد في تحدي فريقه بجرأة، سائلًا بوضوح: "هل نترك مساحة كافية للمرونة في نظامنا؟ وما مدى إسهام هذه المبادرة في استراتيجيتنا الكُبرى؟ والأهم، هل يُعطي هذا الاستثمار القوة الكافية للموظفين للعمل بفعالية، وهل يمكنهم تنفيذ هذه الخطة بكفاءة؟" وفي موقف مشابه تمامًا، طرحت رئيسة تنفيذية أخرى تساؤلات قوية حول توصية فريقها بتعيين موظفين لمبادرة استراتيجية من خارج الشركة فقط. تساءلت بحدس: " كيف سيشعر موظفونا المخلصون لو أغفلنا ترقيتهم وفضلنا البحث عن بدائل من الخارج؟" هؤلاء القادة تمكنوا من الموازنة ببراعة بين النقاش البناء والعمل الحاسم، وكلاهما يُعد ضروريًا للغاية لتحقيق المرونة المطلوبة. في الواقع، ووفقًا لأبحاث ماكنزي، فإن الحسم في اتخاذ القرار أمر بالغ الأهمية لتعزيز صحة المؤسسة ككل؛ لدرجة أن الشركات التي يقودها رؤساء تنفيذيون حاسمون تزيد احتمالية كونها مؤسسات صحية بمقدار 4.2 مرة مقارنة بالشركات المماثلة.9

تمكين الفرق من المثابرة وتطوير مرونة الأفراد لمواجهة التحديات

وفي هذا السياق، عندما يتعلق الأمر ببناء المرونة المؤسسية والحفاظ عليها على المدى الطويل، فإن الصفات الشخصية والقدرة على التكيف أصبحتا توازيان أو حتى تفوقان أهمية المؤهلات الرسمية والسجلات الوظيفية السابقة. فمثلًا، في أعقاب الابتكارات الكبيرة في نماذج الأعمال، أو التحولات السياسية العالمية المفاجئة، أو الاضطرابات الناتجة عن تطورات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى، قد تكتشف الشركات أن الخطط والمهارات والصفات التي كانت ناجحة في الماضي لم تعد مناسبة للغرض الحالي. هنا، يلعب الرؤساء التنفيذيون دورًا حاسمًا في تطوير قوى عاملة تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف، وفي تحديد الجيل القادم من القادة والموظفين المتميزين القادرين على إحداث فرق. وتحقيقًا لهذه الغاية، لذلك، يجب على الرؤساء التنفيذيين بناء بيئة تسمح باختبار الأفراد وتطويرهم وتحديهم، بما يحفزهم على الابتكار والنمو المستمر. كما يجب عليهم أيضًا أن يكونوا قدوة يحتذى بها في إظهار السلوكيات المرنة والاحتفاء بها، وأن يحافظوا على مرونتهم الشخصية ليكونوا نموذجًا يلهم الآخرين.

ضع معايير لتطوير فرق عمل تتمتع بالمرونة

لبناء فرق عمل قادرة على الصمود حقًا، يجب على الرؤساء التنفيذيين أن يتعاونوا بشكل وثيق مع فرق استقطاب المواهب، جنبًا إلى جنب مع القيادات الأخرى داخل الشركة. الهدف هو تحديد السمات المرنة التي لا غنى عنها لنجاح المؤسسة خلال أوقات الاضطراب؛ وهي خصائص جوهرية مثل المثابرة، والرشاقة، والصلابة الحقيقية التي لا تلين. ومن الأهمية بمكان أن يحرص هؤلاء القادة على ترسيخ هذه الصفات في جميع المحادثات وعلى مدار دورة حياة إدارة المواهب بأكملها، بداية من جذب الكفاءات المتميزة مرورًا بالاحتفاظ بها ووصولًا إلى تطوير القيادات المستقبلية الواعدة. وكما أوضحت "ليلا سنايدر"، الرئيسة التنفيذية لشركة بوز، في مقابلة لها مع ماكنزي عام 2023، فإنها ترى أن "في أوقات الاضطراب والتحول، أنت بحاجة إلى أشخاص يتمتعون بمستوى من الصلابة والمرونة يتجاوز ما قد تحتاجه لإدارة عمل تجاري في حالة مستقرة". وتضيف كذلك: "لقد بحثت عن أشخاص لديهم جينة التغيير ورغبة حقيقية في أن يكون التغيير عنصرًا أساسيًا فيما يقومون به".10 وليس هذا بمستغرب، فهذا كان الهدف ذاته بالنسبة للأدميرال السابق بالبحرية الأمريكية "إريك أولسون" عندما طور ما أسماه إطار "الأربعة الكبار" لبناء فرق القوات الخاصة البحرية فائقة المرونة. يتضمن هذا الإطار عناصر جوهرية هي: تحديد الأهداف بوضوح، والتدريب الذهني المتقن، والحديث الذاتي الإيجابي، وأخيرًا الحفاظ على الهدوء تحت أشد الضغوط. ويقول "أولسون" في هذا الصدد باقتناع: "نحن نبحث عن أشخاص يعرفون دائمًا أن هناك طريقة لحل أي مشكلة، مهما بدت مستعصية". ويصف فرق القوات الخاصة هذه ببراعة قائلًا: "إنهم يتألفون من أفراد يمكنهم التخلي عن الخطة الأساسية بلا تردد والتحول إلى خطة بديلة أو تطوير خطة جديدة تمامًا عند الضرورة. فإذا كانت الخريطة تشير إلى شيء معين وتبين أن الواقع مختلف، فإنهم يتبعون الواقع الحقيقي، لا مجرد الخريطة".11

كن قدوة للسلوكيات المرنة واحتفِ بها

لتعزيز المرونة حقًا، يقع على عاتق الرؤساء التنفيذيين دور محوري في تجسيد السلوكيات المطلوبة لبناء هذه المرونة في مؤسساتهم. فمن الأهمية بمكان أن يظلوا هادئين ومتزنين خلال اللحظات العصيبة؛ ليصبحوا بذلك كـ "المصد" الذي يمتص الضغط بدلاً من أن يضخمه. لكن، ووفقًا لأبحاثنا وخبراتنا المتراكمة، من الضروري بنفس القدر أن يظهروا جانبًا من الضعف البشري والصراحة. فمن خلال ذلك، يمكنهم نسج خيوط الثقة المتينة، وصقل علاقات أقوى وأعمق مع فرق العمل، بل وضخ شعور عميق بالأمان النفسي في نسيج المؤسسة بأكملها. ولنتأمل مثال "براد سميث"، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنتويت، الذي قام بخطوة جريئة ومبتكرة: علّق تقييمات أدائه الخاصة على النافذة الزجاجية لمكتبه، ثم أرسلها عبر البريد الإلكتروني إلى جميع الموظفين. ولم يتوقف عند هذا الحد، بل طلب منهم صراحةً أن ينبهوه إذا لاحظوا منه أيًا من السلوكيات السلبية التي ذُكرت في تقييمه، وكان يرحب بالتعليقات بصدر رحب عندما يفعلون ذلك. لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت هذه الروح تنتشر، وبدأ فريق قيادته بالكامل يشارك تقييمات أدائهم الشفافة. هذه الشفافية غير المسبوقة أشعلت شرارة المخاطرة المحسوبة والتجريب الجريء في الشركة، مما خلق بيئة عمل يشعر فيها الموظفون بالأمان الكافي للابتكار والتميز دون خوف.12

حافظ على المرونة الفردية

لكي يجسد الرؤساء التنفيذيون القدوة في المرونة المؤسسية، يتوجب عليهم أولاً ترسيخ هذه القيمة داخل ذواتهم. وتظهر تجارب قيادية حديثة أن الفعالية الشخصية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالقدرة على رؤية الصورة بعيدة المدى، والانفتاح على الآراء المستقلة من مستشارين موثوقين. وفي هذا السياق، روت إحدى القائدات التنفيذيات السابقات في قطاع الخدمات المالية تجربتها خلال مرحلة تحول رئيسية لشركتها، إذ اعتمدت على ما أسمته "مجلس المطبخ" – وهي مجموعة مصغّرة تضم زوجها، ومديرها السابق، وشريكاً استشارياً ارتبطت معه بشراكة طويلة، وصديقين مقرّبين.13 وقد لعب هذا المجلس دوراً محورياً في تمكينها من مواجهة التحديات الحساسة من خلال تقديم رؤى مختلفة، وتفنيد الافتراضات، ومساندتها في التفكير العميق باتجاه اتخاذ قرارات مفصلية.

تعزيز الروابط مع أصحاب المصلحة الخارجيين بمختلف فئاتهم

في عالم اليوم المتغير باستمرار، تُعد العلاقات مع الجهات الخارجية واحدة من أبرز جوانب دور الرئيس التنفيذي التي شهدت تحولًا جذريًا في القرن الحادي والعشرين. فبصفته صوت المؤسسة وواجهتها الأساسية، يُتوقع من الرئيس التنفيذي بشكل متزايد أن يتعامل بمهارة فائقة مع قضايا عالمية معقدة تؤثر بشكل مباشر على الأعمال. لنفكر في الأمر قليلًا، فالتحولات الأخيرة في المشهد السياسي العالمي، والتغيرات السكانية الكبرى، والتطورات التكنولوجية المتسارعة، كلها أمور تتطلب منه تدخلًا واعيًا وبناءً للعلاقات. لكن، على الرغم من أن حوالي 60% من قادة الأعمال يعتقدون أن الشركات تتحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية تجاه القضايا المجتمعية، حتى لو كانت حساسة أو مثيرة للجدل، فإن نسبة ضئيلة جدًا لا تتجاوز 6% منهم فقط تشعر بثقة حقيقية بأن الشركات تتخذ الخطوات الصحيحة والمؤثرة في هذا الشأن.14

مع التدقيق على كل حركة، لم يعد دور الرؤساء التنفيذيين مجرد الصمود أمام التحديات، بل عليهم أيضًا أن يكونوا قادرين على توجيه التفاعلات الهامة والتأثير في رأي الناس. ولتحقيق هذا، يحتاجون إلى استثمار مستمر في بناء سمعة جيدة وإدارة ذكية للعلاقات مع كل الأطراف الخارجية المعنية؛ من الموردين، والمنافسين، والمستثمرين، والصحفيين، وغيرهم الكثير. وكما يوضح "نيل بلومنتال" و "ديف جيلبوا"، الرئيسان التنفيذيان لشركة "واربي باركر"، فإن "التعاون في القرارات الكبيرة والتواصل الواضح والمستمر مع أصحاب الشأن" هو أساس بناء ثقة قوية تدوم طويلاً. هذه الجهود الذكية تساعد الجهات الخارجية على التمييز بوضوح بين "الأخطاء العابرة" التي قد تحدث أحيانًا ولا تعكس قيم الشركة الحقيقية، وبين "أخطاء المبادئ" التي للأسف قد تشير إلى مشاكل عميقة ومنتشرة داخل كيان الشركة.

ومن أجل القيام بدور فعال في هذه الحقبة الحديثة، يجب على الرؤساء التنفيذيين اليوم أن يبتكروا استراتيجية ذكية ومنصة قوية للتعامل مع الجهات الخارجية. هذه المنصة يجب أن تمكنهم من التواصل بصدق وشفافية مع مجموعة واسعة ومتنوعة من أصحاب المصلحة، مع التركيز الدائم على الهدف الأسمى الذي تسعى إليه المؤسسة بوضوح. ولتحقيق هذا المستوى من التميز، ينبغي عليهم صياغة قصة موحدة وملهمة لا تشجع على العمل فحسب، بل توحد الرؤى، وتحدد بوضوح المسار المستقبلي للشركة، وذلك من خلال التعاون الوثيق والمثمر مع الموظفين المخلصين، والشركاء الاستراتيجيين، وحتى الحلفاء غير المتوقعين. على سبيل المثال الواضح، لنأخذ قصة "كيت والش"، الرئيسة التنفيذية السابقة لمركز بوسطن الطبي، التي بدأت بالتواصل مع زملائها في مجال المستشفيات في وقت مبكر جدًا من جائحة كورونا، عندما أصبحت بوسطن بؤرة للوباء في البلاد. تتذكر "كيت والش" تلك الأيام الصعبة قائلةً: "بدأنا ننسق لكي نضمن على الأقل إبلاغ الناس بأننا سنوزع الأقنعة الواقية على الجميع صباح يوم الاثنين عند حضورهم للعمل. وتحول هذا التنسيق ليصبح مكالمة شبه يومية مع المستشفيات الأخرى، بينما كنا نسعى لفهم أفضل طريقة للتعامل مع العدد الكبير من الحالات."15


ختامًا، يُدرك الرؤساء التنفيذيون في عصرنا هذا أن الاضطرابات ليست مجرد احتمال، بل هي أمر واقع حتمي؛ فالمسألة لا تتعلق بما إذا كانت ستحدث، بل بمتى ستضرب. وهم يعلمون جيدًا أن طريقة استجابتهم الأولية للأزمات تحمل أهمية كبيرة، لكن الأهم من ذلك بكثير هو ما يتعلمونه من تلك الأزمات وكيف يُعيدون تهيئة أنفسهم، وفرق عملهم، ومؤسساتهم لكي تنطلق بقوة أكبر بعد أي اضطراب. كما تشير أبحاثنا وخبراتنا العملية بوضوح إلى أن الرؤساء التنفيذيين الذين يتمتعون بالقدرة على الارتقاء لمستوى التحدي ويستثمرون في مفهوم المرونة كضرورة استراتيجية قصوى، ستكون لديهم الثقة الكافية لاغتنام فرص العمل الجريئة والمبتكرة. وليس هذا فحسب، بل سيلهمون فرقهم لتحقيق إنجازات أكبر، وابتكار حلول أكثر إبداعًا، والنمو بوتيرة أسرع من المتوقع، وبالتالي تحقيق الإمكانات الكاملة لمؤسساتهم على أكمل وجه.

Explore a career with us