ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
مع تصاعد حدّة الاضطرابات التي تشهدها التجارة العالمية، وتزايد حالة عدم اليقين المحيطة بسلاسل التوريد، إلى جانب القلق المتنامي لدى المستهلكين، يُرجّح أن يحمل عام 2025 المزيد من التحديات لصناعة الأزياء. وقد أعرب العديد من أصحاب العلامات التجارية عن قلقهم بشأن هذه التطورات. لكن كما تقول جيما دَوريا، الشريك الرئيسي في ماكنزي: "بالفعل هناك مخاطر، لكن في الوقت نفسه، هناك فرصٌ واعدةٌ يمكن استثمارها." في هذه الحلقة من "تدوينة ماكنزي الصوتية"، تلتقي دَوريا مع لوسيا راهيلي، المديرة التحريرية العالمية بماكنزي، للحديث حول أحدث أبحاث ماكنزي في صناعة الأزياء، ومناقشة توجهات المستهلكين، بما في ذلك أماكن التسوق المفضلة وطرق الشراء الأكثر شعبيةً، وما الذي يمكن أن يفعله القادة لتحقيق التقدّم، حتى في ظل أسواقٍ مضطربةٍ ومتقلّبة.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
شارك في تقديم هذه الحلقة من تدوينة ماكنزي الصوتية، كلٌ من "لوسيا راهيلي" و "روبرتا فوسارو".
كيف يبدو واقع صناعة الأزياء اليوم؟
لوسيا راهيلي: نعيش اليوم في عالمٍ سريع التغيّر، تتداخل فيه التحوّلات الجيوسياسية والاقتصادية مع تطورات الذكاء الاصطناعي الذي يُعيد تشكيل أساليب عملنا وتسوُّقِنا. وسط كل هذه المتغيّرات، يبرز سؤالٌ جوهري: كيف تبدو ملامح صناعة الأزياء اليوم؟ وماذا نتوقّع لها في عام 2025؟
جيما دَوريا: من المؤكد أن عام 2025 سيكون عامًا مليئًا بالتحديات. لذلك، ركّزنا في دراستنا على ثلاث مناطق رئيسية: أوروبا، الولايات المتحدة، والصين. بالنسبة لأوروبا، فإننا نتوقّع نموًا بطيئًا نسبيًا، مع تراجعٍ ملحوظ في ثقة المستهلكين. أما في الصين، فيبدو الوضع أكثر تعقيدًا، فقد تراجعت الثقة إلى أدنى مستوياتها.
ومع ذلك، لا تزال هناك رغبةٌ واضحةٌ في الإنفاق لدى الكثير من المستهلكين حول العالم، خاصةً على السلع. ولكننا لاحظنا تحوّلًا واضحًا في سلوك الشراء؛ حيث أصبح المستهلك يبحث "القيمة"، ولا أقصد هنا السّعر فقط، بل القيمة الحقيقية مقابل ما يدفعه. وقد بدأ هذا الاتجاه في الانتشار بالفعل؛ حيث أظهر استطلاعنا لأراء المستهلكين في الولايات المتحدة، أن واحدًا من كل ثلاثة مستهلكين قد قام بالفعل بشراء منتجٍ غير أصلي خلال العام الماضي.
لوسيا راهيلي: دعينا نتحدث قليلًا عن ظاهرة "الدوپ". ما المقصود بهذه التسمية؟ ولماذا أصبحت تلقى رواجًا متزايدًا في عالم الأزياء؟
جيما دَوريا: الـ"دوپ" هو ببساطة منتجٌ غير أصليّ، يتم تصنيعه بجودةٍ عاليةٍ جدًا، ليبدو شبيهًا إلى حدٍ كبير بالمنتجات الفاخرة. وأؤكد هنا أنه منتجٌ ذو "جودةٍ عالية جدًا"، فنحن لا نتحدث عن تقليدٍ رديء أو رخيص. في الماضي، كان يشعر البعض بالخجل عند ارتداء مثل هذه القطع. أمّا اليوم، فقد تغيّر المشهد كليًا، وأصبح يُنظر لارتداء هذه المنتجات كخيارٍ ذكي، وليس كخيارٍ زهيد.
ومن اللافت أنّ ظاهرة الـ"دوپ" ليست الوحيدة على الساحة. فقد شهدنا أيضًا نموًا ملحوظًا في منصات إعادة بيع المنتجات المستعملة، حيث أصبح المستهلكون اليوم أكثر تقبّلًا لفكرة اقتناء سلع سبق استخدامها، خاصةً إذا كانت متميزة أو تحمل قصة فريدة. والمثير للاهتمام أن هذا الاتجاه يزداد رواجًا في سوق المنتجات الفاخرة تحديدًا، إذ يشعر بعض المستهلكين بحالةٍ من التشبّع نتيجة وفرة المعروض من هذه السلع. فلم يعُد الهدف هو اقتناء الأحدث أو الأغلى، بل بات الكثيرون يبحثون عن القطعة النادرة والمختلفة - عن شيءٍ لا يمكن للمال وحده أن يشتريه.
لوسيا راهيلي: من المفترض أن تتمتع هذه السّلع الفاخرة بقدرٍ من المتانة، أعني أن بعض هذه المنتجات تحتفظ بقيمتها مع مرور الوقت. أليس كذلك؟
جيما دَوريا: هذا صحيح، وإن كانت تختلف درجة المتانة من فئةٍ إلى أخرى. فقد لاحظنا أن بعض المنتجات الفاخرة، مثل الحقائب الجلدية والمجوهرات ذات العلامات التجارية البارزة، لا تحتفظ بقيمتها فحسب، بل قد تزداد قيمتها بمرور الزمن. أما في فئاتٍ أخرى كالملابس والأحذية، فالأمر لا يكون بنفس الدرجة.
لوسيا راهيلي: في ظل هذا الكم الهائل من الخيارات التي توفّرها لنا التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، هل تُعدّ هذه الوفرة عنصرًا مساعدًا في عالم بات أكثر وعيًا بالتكاليف؟ أم أنها تُربك المستهلكين بدلًا من أن تُسهّل عليهم عملية الشراء؟
جيما دَوريا: الحقيقة أن ما نشهده اليوم هو تحوّلٌ في سلوك المستهلك نحو ما نُسميه "سلوك الاكتشاف"، وهو أحد الاتجاهات الرئيسية التي نتوقع أن تهيمن على المشهد في عام 2025. حيث تُشير الدراسات إلى أن نحو 70 في المائة من قرارات الشراء أصبحت تتأثّر بشكلٍ مباشرٍ بالمنصات الرقمية، وهو ما ساعد على انتشار هذه الأدوات والتقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بشكلٍ واسع. فلا تهدف هذه الأدوات لتسريع عملية الشراء فحسب، بل تُقدّم توصياتٍ أكثر دقةً وملاءمةً للمستهلكين. حيث لم يعُد المستهلك يبحث عن السرعة وحدها، بل أصبح يتساءل: "هل تعرف حقًا ما الذي أحتاجه؟ وهل يمكنك اقتراح مُنتَجٍ يُلبّي احتياجي؟".
وقد لاحظنا أن بعض الشركات الرائدة قد استثمرت بالفعل، على مدار السنوات الماضية، في تحليلات البيانات المتقدمة، مما أتاح لها فهمًا أعمق لتفضيلات العملاء وتوقّع سلوكهم الشرائي بدقةٍ عالية. وقد انعكس ذلك على تجربة التسوّق، التي أصبحت شديدة التخصيص؛ فما يُعرَض لي على الموقع الإلكتروني قد يختلف تمامًا عمّا يظهر لك، بحسب اهتمامات كلٍ منا. ولا يُعدّ هذا التخصيص ميزةً تقنيةً فحسب، بل هو فرصةٌ حقيقيةٌ للتميّز، خاصةً في ظل تباطؤ الأسواق وزيادة حدّة المنافسة بين العلامات التجارية على نيل ثقة المستهلكين وزيادة حصّتها السوقية.
تحقيق النمو في سوقٍ يعاني من التباطؤ
لوسيا راهيلي: تناول تقرير "واقع صناعة الأزياء" لهذا العام عشرة محاور رئيسية. وبالطبع، ندعو الجميع للاطّلاع على التقرير الكامل عبر موقع McKinsey.com، فهو غنيٌّ بالمعلومات والتحليلات المفيدة. ولكن جيما، دعينا نركّز الآن على ثلاثة موضوعاتٍ لافتة: وهي نمو الأسواق الآسيوية، وتحوّلات سلوك المستهلكين الأكبر سنًا، وازدهار قطاع المنتجات الرياضية. لنبدأ بالحديث عن آسيا.. ما الذي يميّز هذا السوق في الوقت الراهن؟
جيما دَوريا: في السنوات الأخيرة، كانت آسيا تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على المستهلك الصيني، لكننا لا نتوقع أن يكون النمو في الصين هذا العام بنفس القوة.
ومع ذلك، هناك بعض محركات النمو الجديدة التي بدأت في الظهور داخل آسيا، وأبرزها الهند، التي تمضي بثباتٍ لتُصبح ثالث أكبر سوقٍ استهلاكي في العالم بحلول عام 2027. وهو تطوّرٌ لافتٌ حقًا، خاصةً إذا علمنا أن عدد أفراد الطبقة المتوسطة في الهند يُقدّر بنحو 430 مليون شخص، أي ما يُعادل تقريبًا حجم الطبقة المتوسطة في كلٍّ من الولايات المتحدة وأوروبا معًا. والأهم من ذلك، أن ثُلثيّ سكان الهند تقريبًا هم دون سن الـ35، مما يجعل من السوق الهندية سوقًا شابة ونابضةً بالحيوية. ولذلك، نلاحظ اهتمامًا متزايدًا من كبرى العلامات التجارية لفهم طبيعة هذا السوق، وكيفية تلبية احتياجات المستهلكين فيه، وتحقيق نموٍ مستدام.
كما لا يمكن إغفال الأسواق الواعدة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية. فلم تعُد هذه الأسواق تقتصر على استهلاك المنتجات الفاخرة فحسب، بل أصبح لها حضورٌ متزايدٌ في مشهد الأزياء العالمي بشكلٍ عام. ولا ننسى أيضًا أن مدنًا مثل جاكرتا وبانكوك بدأت تبرز كمراكز صاعدة في عالم الموضة وصناعة الأزياء في آسيا.
لوسيا راهيلي: لقد أشرتِ قبل قليل إلى المستهلكين الشباب في الهند، ولكن تظل هناك شريحةٌ سكانيةٌ أخرى تستحق الاهتمام، وهي فئة "المُنفقين الفضيّين"، أي كبار السن الذين لا يزالون على استعدادٍ للإنفاق على الأزياء.
جيما دَوريا: هذا صحيح. فعلى مدار السنوات الماضية، انصبّ تركيز صناعة الأزياء على الأجيال الشابة، سواء من حيث الرسائل التسويقية أو تنوّع المنتجات المعروضة. إلا أن الواقع اليوم يكشف عن نمو الفئة العمرية التي تتجاوز الخمسين عامًا بوتيرةٍ أسرع من أي فئةٍ أخرى. إذ تمثّل هذه الفئة حاليًا نحو 38 في المائة من إجمالي حجم الإنفاق الاستهلاكي، وتُسهم بما يقارب نصف معدل نمو هذا الإنفاق. ولهذا، فالأمر لا يقتصر على الأرقام والإحصاءات فحسب، بل هو هذه دعوةٌ واضحة لعلامات الأزياء كي تُعيد النظر في استراتيجياتها، لتعمل على ابتكار أساليبٍ تُلائم تطلعات المستهلكين الأكبر سنًّا وتجذب اهتمامهم.
هذه دعوةٌ واضحة لعلامات الأزياء كي تُعيد النظر في استراتيجياتها، لتعمل على ابتكار أساليبٍ تُلائم تطلعات المستهلكين الأكبر سنًّا وتجذب اهتمامهم.
لوسيا راهيلي: دعينا ننتقل الآن إلى قطاع المنتجات الرياضية.
جيما دَوريا: يُعتبر قطاع المنتجات الرياضية من أبرز الفئات في صناعة الأزياء، فقد شهد في السنوات الأخيرة تحوُّلاتٍ ملحوظة بسبب ما يُعرف بـ"العلامات المتحدّية"، وهي العلامات الصاعدة التي تنافس بقوةٍ العلامات التجارية الرّاسخة. فعلى سبيل المثال في عام 2020، كانت نحو 80 في المائة من الأرباح الاقتصادية في هذا القطاع تُحقّقها العلامات الكبرى التي تتجاوز مبيعاتها 5 مليارات دولار، مثل نايكي، وأديداس، وأندر آرمر.
أمّا بحلول عام 2024، فقد تغيّرت المعادلة بشكلٍ كبير، لتُحقق العلامات الصّاعدة مثل هوكا، وأون، وفُيوري، نسبةً تصل إلى 60 في المائة من تلك الأرباح. ويرجع هذا التحوّل اللافت إلى عدة عوامل، أبرزها الابتكار في تصميم المنتجات، وتبنّي استراتيجياتٍ تسويقيةٍ ذكية أسهمت في بناء مجتمعاتٍ من المستهلكين الأوفياء، وغيّرت مسار السوق بشكلٍ جذري.
حين يصنع الذكاء الاصطناعي الفارِق
لوسيا راهيلي: برأيك، إلى أي مدى يؤثّر استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم تجارب التسوّق المُخصّصة والدقيقة على العلاقة بين العلامات الصاعدة والعلامات التجارية الكبرى؟
جيما دَوريا: لا شك أن التفاعل المباشر مع المستهلكين عبر وسائل التواصل الاجتماعي كان أحد المحركات الرئيسية في دعم نمو العلامات الصاعدة، فقد منحها القدرة على الانتشار وبناء علاقةٍ وثيقةٍ مع الجمهور. كما أن تركيز تلك العلامات على الابتكار في منتجاتها، لا سيّما في قطاع الملابس الرياضية، قد أحدث فارقًا ملحوظًا في أدائها.
وأرى أن هذا التوجه لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة استراتيجيةٍ واضحةٍ ومدروسة، تقوم على بناء مجتمعاتٍ متفاعلة ومخلصة. فالتحدي الحقيقي لا يكمُن فقط في جذب العملاء، بل في الحفاظ على ارتباطهم المستمر بالعلامة التجارية، وضمان توافقها مع احتياجاتهم وتفضيلاتهم.
لوسيا راهيلي: حسنًا، وما الأولويات التي ينبغي على القادة التركيز عليها اليوم للحفاظ على صدارة علاماتهم التجارية، في ظل التحولات المتسارعة في سلوك المستهلكين بفعل الذكاء الاصطناعي؟
جيما دَوريا: أرى أن هناك ثلاث أولوياتٍ أساسية ينبغي الالتفات إليها في المرحلة الرّاهنة. الأولى، كما أشرنا سابقًا، هي التخصيص وتجربة البحث الذكية، فهما عنصران أساسيان في تلبية توقعات المستهلك المعاصر، الذي بات يتوقع تجربةً مصممةً خصيصًا له. وتتمثّل الأولوية الثانية في الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة التسوّق داخل المتاجر التقليدية. فنحن غالبًا ما نركّز على تأثير الذكاء الاصطناعي في القنوات الرّقمية، دون أن نعطي القدر الكافي من الاهتمام لإمكاناته في تطوير تجربة العملاء داخل المتاجر الفعلية. فحين نزوّد موظفي المبيعات ومستشاري الخدمة بأدواتٍ ذكيةٍ مدعومة بالذكاء الاصطناعي، يصبح بإمكانهم تقديم تجربةٍ أكثر فعاليةً وتخصيصًا لكل عميل، وهو ما يُعد عنصرًا بالغ الأهمية في الحفاظ على ولاء العملاء.
أمّا الأولوية الثالثة، فهي الإبداع، وقد تناولناها بالتفصيل في تقرير "واقع صناعة الأزياء 2024". فما يميّز هذه الصناعة عن غيرها، هو المزج الفريد بين الحِرفية والإبداع من جهة، والبُعد التجاري من جهةٍ أخرى. ومن هنا تأتي أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز الجانب الإبداعي. فعلى سبيل المثال، يمكن من خلاله تصميم عددٍ هائلٍ من النماذج لحقيبة يدٍ واحدة، وهو ما لا يمكن إنجازه يدويًا بنفس السرعة أو الكفاءة، مما يوفّر الوقت والموارد، ويسهم في تفادي إنتاج نماذج قد لا تلقى رواجًا لدى العملاء. وتُشير تقديراتنا إلى أن ما يقرب من 25 في المائة من القيمة التي يمكن أن يوفّرها الذكاء الاصطناعي في قطاع الأزياء ستنبع من دوره في دعم وتعزيز الإبداع. وعلى الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، إلا أننا لا نزال في المراحل الأولى من هذا التحوّل.
تُشير تقديراتنا إلى أن ما يقرب من 25 في المائة من القيمة التي يمكن أن يوفّرها الذكاء الاصطناعي في قطاع الأزياء ستنبع من دوره في دعم وتعزيز الإبداع.
هل تستعيد المتاجر ثقة المستهلك؟
لوسيا راهيلي: بالعودة إلى حديثك عن تجربة التسوّق داخل المتاجر. هل بدأ المستهلكون فعلًا بالرجوع إليها؟
جيما دَوريا: الأمر يختلف حسب فئات المستهلكين والمناطق الجغرافية، لكنَّ ما نعرفه على وجه اليقين هو أن المتاجر لا تزال تلعب دورًا حيويًا في تجربة التسوّق، وهي من أبرز ما يُميّز العلامات التجارية. فقد أظهر استطلاعنا أن 75 في المائة من المستهلكين يميلون إلى الإنفاق أكثر عندما يتلقّون خدمةً عالية الجودة من موظفي المتجر.
واليوم، أصبحنا نشهد تغيرًا ملحوظًا في دور المتاجر، فقد تأثّرت نحو 70 في المائة من مبيعات التجزئة بالمحتوى الرقمي. فعادةً ما يبدأ المستهلكون رحلة التسوّق بالبحث عبر الإنترنت وإن أعجبهم منتجٌ ما، يتوجّهون لرؤيته وتجربته داخل المتجر. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم سيشترونه من هناك. ولهذا السبب، لم تعد المتاجر تركّز على تخزين كمياتٍ كبيرة من البضائع، بل أصبحت تهتم بشكلٍ أكبر بتقديم تجربةٍ تفاعليةٍ تعبّر عن هوية العلامة التجارية وتترك انطباعًا إيجابيًا لدى العملاء.
ومع احتمالية تباطؤ وتيرة افتتاح متاجر جديدة في المرحلة المقبلة، ستُضطر العلامات التجارية إلى تكثيف جهودها في تحسين تجربة العملاء داخل الفروع الحالية. وقد تكتفي بعض العلامات بمتجرٍ واحد ٍأو اثنين فقط في بلدٍ ما، لكنها تحرص على أن تكون هذه المتاجر بمثابة وجهاتٍ استثنائية، تُجسّد هوية العلامة التجارية وتُقدّم تجربةً متكاملةً لا تُنسى.
لوسيا راهيلي: من واقع تجربتي الشخصية، كثيرًا ما أزور متجرًا صغيرًا في نيويورك تابعًا لمصممة الأزياء "راشيل كومي". وفي كل مرةٍ أدخله، يخطر ببالي أن تصاميمه مذهلة، لكنني أشكّ في أنها ستناسبني. حتى تأتي إحدى الموظفات اللطيفات، لتقترح عليّ تجربة بعض القطع التي لم أكن لأختارها بنفسي. أجربها بترددٍ، ثم أجد نفسي أغادر المتجر وقد اشتريت واحدةً منها على الأقل. إنها تجربةٌ مذهلةٌ فعلًا.
جيما دَوريا: أتّفق معك تمامًا، فالمتاجر التي تضم طاقمًا ودودًا ومتعاونًا تترك انطباعًا رائعًا لدي أنا أيضًا.
فهمٌ أعمق لسلوك العملاء
لوسيا راهيلي: هل هناك أمورٌ أخرى تَرَين أنه من الضروري أن يُوليها القادة اهتمامًا خاصًا، ليتمكنوا من النجاح في سوقٍ قد يكون مليئًا بالتحديات هذا العام؟
جيما دَوريا: من أبرز ما يجب التركيز عليه هو فهم سلوك المستهلك بشكلٍ أعمق، والبناء على هذا الفهم لتلبية احتياجاته الحالية، بل ومحاولة التنبؤ بتطلعاته المستقبلية. وقد تُفاجئين عندما تعلمين أن عددًا كبيرًا من العلامات التجارية لا يمتلك تصورًا دقيقًا وعميقًا حول كيفية تصرف عملائه، أو كيفية تطوّر سلوكياتهم الشرائية في المستقبل.
قد تُفاجئين عندما تعلمين أن عددًا كبيرًا من العلامات التجارية لا يمتلك تصوُّرًا دقيقًا وعميقًا حول كيفية تصرف عملائه، أو كيفية تطوّر سلوكياتهم الشرائية في المستقبل.
لوسيا راهيلي: إنه أمرٌ مثيرٌ فعلاً! فبمجرد أن أذكر كلمة "البيجامات" لأطفالي، تظهر لي فورًا إعلاناتٌ عنها في كل مكان. فكيف يُعقَل ألا يكون لدينا فهمٌ أكثر دقةً وتطورًا لسلوك المستهلكين؟
جيما دَوريا: سؤالٌ وجيه. لقد تناولنا هذه القضية بالتفصيل في تقريرنا حول واقع قطاع الرّفاهية. ونعتقد أن العديد من العلامات التجارية لم تستثمر بما يكفي في بعض الجوانب الأساسية التي لا تقتصر أهميتها على المستقبل فحسب، بل هي ضروريةٌ بالفعل في الوقت الحاضر.
من بين هذه الجوانب، ما يتعلق بفِرق العمل في الخطوط الأمامية ومُستشاري المبيعات. ولعلّك تندهشين إذا علمتِ أن العديد من أساليب التوظيف والتدريب والتحفيز لا تزال تقليديةً للغاية، ولا تتماشى مع طبيعة السوق الحالية.
وهناك جانبٌ آخر لا يقلّ أهمية، وهو التحليلات وفهم سلوك المستهلك؛ فهذا المجال يشهد تطورًا متسارعًا، ومع ذلك لم نلحظ بعد تحوّلًا واسع النطاق نحو توظيف التحليلات المتقدمة في قطاع الأزياء بالشكل الذي يُمكّن العلامات التجارية من فهم عملائها بصورةٍ أعمق. ومن اللافت أن هذا القطاع، رغم ديناميكيته، لا يزال متأخرًا مقارنةً بقطاعاتٍ أخرى، مثل السلع الاستهلاكية المُعلّبة، التي قطعت شوطًا طويلًا في هذا المسار.
الاستعداد لمواجهة السيناريوهات غير المتوقعة
لوسيا راهيلي: لقد أشرتِ في بداية حديثنا إلى مسألة التجارة العالمية وحالة عدم الاستقرار التي نشهدها اليوم، خاصةً مع تغيُّر التحالفات السياسية وتزايد الانقسامات. برأيك، ما الذي ينبغي على القادة التفكير فيه استعدادًا لهذه الاضطرابات؟ وكيف يمكنهم التعامل معها؟
جيما دَوريا: هناك عدة نقاطٍ محورية يجب أخذها بعين الاعتبار، أولًا، عندما نتحدث عن القدرات المطلوبة لمواجهة التحديات، لا يمكننا إغفال العوامل الجيوسياسية، فهي من أبرز العوامل الخارجية المؤثرة على هذه الصناعة. وغالبًا ما يُنظر إليها باعتبارها مصدرًا للمخاطر، لهذا توكل إدارتها عادةً لمدير المخاطر أو المدير المالي. إلا أنني أرى ضرورة دمجها ضمن الخطة الإستراتيجية الشاملة، لأنها لا تقتصر على التهديدات فحسب، بل تحمل معها العديد من الفرص الواعدة أيضًا. فمثلًا، الطريقة التي نُخاطب بها المستهلك الأمريكي تختلف تمامًا عن تلك التي نتوجه بها إلى المستهلك في أوروبا أو الصين أو بقية دول آسيا، وهو ما يجب أن تراعيه العلامات التجارية عند صياغة رسائلها وخططها التسويقية.
ثانيًا، في ظل حالة الغموض التي تطغى على المشهد العالمي، بدأت العديد من العلامات التجارية بتبنّي نهجٍ استباقي ومرن، من خلال بناء سيناريوهاتٍ مستقبلية متعددة، وتحليل كل سيناريو على حدة، لفهم تداعياته المحتملة على العلامة التجارية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه السيناريوهات ليست قابلةً للتعميم، لأن لكل علامةٍ تجارية خصوصيتها، سواء من حيث الأسواق التي تستهدفها أو من حيث طبيعة سلاسل التوريد التي تعتمدها. فعلى سبيل المثال، هناك علاماتٌ تعمل في نطاقٍ محدود، بينما تحظى علاماتٌ أخرى بانتشارٍ عالمي واسع ومتنوع.
أما النقطة الثالثة، فتتعلق بأهمية تعزيز المرونة والقدرة على التكيّف. ففي بيئةٍ يسودها الغموض، قد يجد القادة أنفسهم مضطرين إلى تعديل خططهم في منتصف الطريق. لذا، من غير الحكمة التمسك بخطةٍ واحدة بشكلٍ جامد، لأن ذلك قد يؤدي إلى الاستمرار في مسارٍ غير ملائمٍ لفترةٍ أطول من اللازم، قبل اتخاذ القرار المناسب لتصحيح الاتجاه.
في بيئةٍ يسودها الغموض، قد يجد القادة أنفسهم مضطرين إلى تعديل خططهم في منتصف الطريق.
لوسيا راهيلي: هل هناك طرقٌ فعّالة تستطيع العلامات التجارية من خلالها الاستعداد لما هو غير متوقَّع؟
جيما دَوريا: بالتأكيد، هناك مجموعةٌ من الخطوات التي قد تساعد العلامات التجارية على مواجهة المجهول. أولى هذه الخطوات هي إعادة التقييم المستمر وتحسين ما يُعرَف بـــــ"بصمة التوريد"، وهي الخريطة التي توضح المناطق والدول التي تعتمد عليها العلامة التجارية في تأمين المواد الخام، والتصنيع، والتوزيع. وتشمل هذه العملية تحديد المناطق ذات الأولوية لإعادة الهيكلة، بناءً على تكلفة التصنيع، والقدرات الإنتاجية، ومدى احتمالية تعرّض سلاسل الإمداد للاضطرابات والمخاطر.
ولا يمكن إغفال تأثير التغيّر المناخي، الذي أصبح اليوم من أبرز العوامل المسبّبة للاضطراب في هذه الصناعة. فقد نرى اليوم بعض الدول التي كانت تُعد تاريخيًا مصادر رئيسية للإمداد أصبحت معرَّضةً بشكلٍ متزايد للكوارث المناخية. وهنا تبرز أهمية الاعتماد على أدوات التحليل والبيانات لفهم المشهد بدقة، وتحليل هيكل التكاليف، والوصول إلى توازنٍ أفضل بين التكلفة والجودة.
ومن الضروري أيضًا أن تقوم العلامات التجارية بمراجعة سيناريوهات الاضطرابات المستقبلية بصورةٍ دورية، مع وضع خططٍ واقعية للحد من آثارها المحتملة. كما يجب إعادة النظر في منهجية التعاون مع المصنّعين والمورّدين، من خلال بناء علاقاتٍ استراتيجيةٍ طويلة الأمد تُعزّز كفاءة سلاسل الإمداد وتزيد من مرونتها. فالتعاون الوثيق مع الشركاء أصبح ضرورة في ظل التقلبات المتسارعة التي تشهدها الأسواق. وفي هذا الإطار، يمكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتحليلات المتقدمة، والبيانات الضخمة، فهي بالفعل أدواتٌ قوية وفعّالة تمكّن العلامات التجارية من التنبؤ بالمخاطر والتعامل معها بمرونةٍ وسرعة.
وأخيرًا، لا بد من التأكيد على أن أي علامةٍ تجارية لن تتمكن من مواجهة هذه التحديات بمفردها؛ فالأمر يتطلب استجابةً جماعية من جميع الأطراف المعنية، بدءًا من العلامات التجارية والمورّدين، مرورًا بالمصنّعين، وصولًا إلى الجهات التنظيمية. فبناء شراكاتٍ حقيقية يُعزّز من قدرتنا على فهم المشهد الراهن بعمق، ويُزوّدنا بأدواتٍ أكثر فاعليةً للتعامل مع ما قد يحمله المستقبل. ونأمل أن تُشكّل هذه التحديات دافعًا لاعتماد نهجٍ جماعيٍ في مواجهة الأزمات والتصدي للقضايا الكبرى.
الحفاظ على الاستدامة في مواجهة التحديات الراهنة
لوسيا راهيلي: بمناسبة الحديث عن تغيّر المناخ وتأثيره على سلاسل الإمداد ومرونتها، هل ترين أن الاستدامة لا تزال تمثّل أولويةً بالنسبة لقادة صناعة الأزياء، في ظل المناخ السياسي الرّاهن؟ وهل تتوقعين استمرار حضورها على أجندات النقاش المستقبلي؟ وإن كان الأمر كذلك، كيف ينبغي للقادة التعامل معها؟
جيما دَوريا: بلا شك، لا تزال الاستدامة من أولويات القطاع، وهي واحدة من المحاور العشرة الأساسية التي تُركّز عليها صناعة الأزياء في المرحلة الراهنة. ومن الضروري أن تبقى هذه القضية في مقدّمة الاهتمامات، خصوصًا وأن قطاع الأزياء يُسهم بما يتراوح بين 3 إلى 8 في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة.
وعندما ننظر إلى المستقبل، نجد أن الظواهر المناخية الحادّة قد تُهدِّد صادرات الأزياء العالمية، بحلول عام 2030، بخسائر قد تصل إلى 65 مليار دولار، بالإضافة إلى احتمالية فقدان نحو مليون وظيفة في أربع دولٍ تُعد من الركائز الأساسية لصناعة الموضة على مستوى العالم.
وسط تزايد التحديات المناخية، أكدت تقارير متخصصة على أهمية تسريع قطاع الأزياء خطواته نحو بناء سلاسل توريد مرنة ومستدامة. وأوضحت أن صعوبة تحقيق أهداف الاستدامة لا تعود فقط إلى تعقيداتها الاقتصادية، بل أيضًا إلى الطبيعة المجزأة للقطاع، إذ يعتمد أكثر من 60% من إنتاج الملابس في العالم على موردين من الفئات الصغيرة والمتوسطة.
وغالبًا ما يواجه هؤلاء المورّدون صعوباتٍ في الالتزام بالكميات المطلوبة، كما يُثقل كاهلهم تعدّد المطالب المتضاربة من العلامات التجارية المختلفة بشأن تنفيذ مبادرات الاستدامة، دون توفّر الموارد أو التمويل اللازم لذلك. في المقابل، ثمة فجوة واضحة؛ فبينما يُطالب المستهلكون بجعل الاستدامة في صدارة أولويات العلامات التجارية، إلا أنهم لا يُبدون في الغالب استعدادًا لدفع تكلفةٍ أعلى مقابل هذه المنتجات المستدامة. وهنا تقف العلامات التجارية أمام معضلةٍ حقيقية، بين ما تفرضه الجهات التنظيمية وما تعتبره هي الخيار الصائب، وبين ضرورة تحقيق معادلةٍ اقتصاديةٍ مجدية تضمن استدامة التوجّه البيئي والتجاري معًا.
لوسيا راهيلي: يبدو أن ما تتحدثين عنه يتطلّب الكثير من الجهد، أليس كذلك؟
جيما دوريا: بالفعل، غير أنّ ذلك ممكنٌ إذا توفّرت الإرادة وتكاتفت الجهود. فنحن نؤمن بأن العلامات التجارية قادرةٌ على دفع عجلة التقدّم من جديد، بشرط أن تعمل ضمن منظومةٍ تعاونيةٍ شاملة تضمّ مختلف أطراف صناعة الأزياء. وفي هذا السياق، نقترح اعتماد نهجٍ مزدوج يُركّز على الالتزام الجاد بمبادرات الاستدامة، مع الحفاظ في الوقت ذاته على متطلّبات الربحية. ومن الضروري أيضًا تبادل أفضل الممارسات، لا سيّما تلك المتعلّقة بخفض الانبعاثات الكربونية لدى المورّدين، إلى جانب توفير حلولٍ تمويلية تُسهم في توسيع نطاق هذه المبادرات وتقليل المخاطر المالية المصاحبة لها. فلا بدّ من مواءمة الحوافز لضمان تنفيذ خطط إزالة الكربون على النحو المطلوب.
وما يزيد الأمر صعوبةً، هو أن تكلفة خفض الانبعاثات غالبًا ما تكون غير مفهومةٍ بالشكل الكافي، إلى جانب غياب البيانات والتحليلات اللازمة لتحديد المبادرات الأكثر تأثيرًا. ولهذا السبب، نرى أن العلامات التجارية يجب أن تقود هذه الجهود، نظرًا لما تملكه من مواردٍ وقدرةٍ على التأثير والتوسّع، مع ضرورة إشراك حلفائها من المورّدين في هذه المسيرة.
وتبقى الخطوة الأساسية هي التعمّق في تحليل البيانات لفهم سلسلة القيمة بكل مكوّناتها. وهو ما يمكن تحقيقه من خلال التعاون مع الجهات المتخصّصة في تتبّع الأثر البيئي وقياسه. فهذه الخطوة الهامة لا تساعد فقط في صياغة الاستراتيجية، بل أيضًا في تقييم الأثر الفعلي لكل مبادرة، ومن ثمّ ترتيب الأولويات في مواجهة تحديات بهذا الحجم.