بخطوات واثقة: كيف تتغلب النساء على تحديات المسار المهني

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

وفي هذا السياق، كانت "أنيتا ليونغ" نموذجًا حيًا لهذه التحديات والفرص. فقد كانت لا تزال تدرس في المرحلة الثانوية عندما بدأ يتكشف أمامها عالم التكنولوجيا، الذي بدا حافلًا بالفرص لبناء مستقبل مهني مميز. ومع ذلك، أدركت مبكرًا أن هذا المجال قد يكون بيئة موحشة أحيانًا للنساء، إذ يمكن أن يشعرن بالوحدة بسبب قلة عددهن مقارنة بالرجال.

بينما كانت "أنيتا" في سنتها الثانية في دراستها، لفت نظرها منشور يسلط الضوء على الحاجة إلى المزيد من النساء في مجال التكنولوجيا. فقررت أن تسجل في دورة دراسية لتعلم كيفية استخدام البرمجيات الخاصة بشبكات التواصل بين الأقران. في هذه الدورة بالتحديد، كانت "أنيتا" الفتاة الوحيدة من بين 30 طالبًا. وعندما جاء وقت تقسيم الطلاب إلى فرق، تم اختيارها في آخر قائمة الاختيارات. تكرر هذا الوضع في كل فصل دراسي، ومع ذلك، استمرت "أنيتا" في الاستمتاع بالدروس، وأصبحت تشعر أن العمل في مجال علوم الحاسوب سيكون مناسبًا لها.

قبل أن تنهي "أنيتا" دراستها الثانوية، حصلت على فرصة تدريب في شركة أمازون. ومثلما حدث من قبل، كانت الوحيدة بين أعضاء الفريق. لكن مع مرور الوقت، بدأت تتأقلم مع هذا الوضع. وبعد تخرجها من جامعة واشنطن في تخصص علوم الحاسوب، حصلت على فرصة عمل كمهندسة برمجيات في شركة جوجل. تقول "أنيتا" إن مشكلة قلة وجود النساء في جوجل كانت أقل وضوحًا مقارنة بالكثير من الشركات الأخرى، بفضل وجود مجموعة لدعم المهندسات والمبادرات التي تهدف إلى تحسين الفرص المتاحة للنساء في هذا المجال.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ولكن، حتى في مكان مثل جوجل حيث كانت الأوضاع أفضل نسبياً، لاحظت "أنيتا" أمراً آخر يلفت الانتباه: قلة عدد النساء في المستويات الوسطى من سلم القيادة داخل الشركة. وفي وقت مبكر من مسيرتها المهنية، أدركت "أنيتا" أن هذه ليست مجرد ملاحظة عابرة تخص مكاناً واحداً، بل هي ظاهرة منتشرة على نطاق واسع وقاعدة تكاد تكون ثابتة في عالم الأعمال والمؤسسات المختلفة.

وبالرغم أن 59% من خريجي الجامعات في الولايات المتحدة هم نساء، إلا أن وجودهن عند دخول الشركات يقل، ليصبح 48% فقط من الموظفين الجُدد. وللأسف عند الترقيات، يقل عددهن مجدداً، فمقابل كل 100 رجل يُرقى، تُرقى 81 امرأة فقط. هذا الفارق بالتقدم يتراكم بمسيرة المرأة المهنية، ويترتب على ذلك قلة في وجودهن في كل مرحلة قيادية أعلى بسلم القيادة. وبينما نرى أن هناك تقدماً حدث (فالنساء الآن 29% من كبار التنفيذيين الذين يرفعون تقاريرهم للرئيس التنفيذي)، إلا أن تلك الترقية الأولى لمنصب مدير، التي تتأخر أو تُفقد غالباً، تمثل بداية السلم الذي يصعب صعوده بعدها للكفاءات النسائية كاملاً. هذه المشكلة بالترقية هي العقبة في السلم الوظيفي، هي ما نطلق عليها اسم "الدرجة المكسورة".

تعد هذه الفجوة في الترقية سببًا خفيًا وراء الفارق الكبير في الدخل بين النساء والرجال طوال حياتهم المهنية. وبالنسبة لكلا الجنسين، يأتي حوالي نصف دخلهم طوال حياتهم مما يقدمونه في بداية مسيرتهم من مهارات وتعليم، أي ما يحققونه عند بدء العمل. بينما النصف الآخر يأتي من قيمة المهارات والخبرات التي يكتسبونها أثناء العمل، وهو ما يمكن تسميته "رصيد الخبرة". وبالتالي، عندما لا تحصل المرأة على الترقية، فهي لا تفوت زيادة في الراتب فحسب، بل الأهم أنها تفوت فرصة اكتساب مسؤوليات جديدة غالباً ما تكون ضرورية جداً لبناء وتنمية رصيد الخبرة القيم الذي يزيد من قيمتها في سوق العمل وفرصها المستقبلية.

ولأجل نساء رائعات مثل "أنيتا"، وكل امرأة طموحة تواجه تحديات، قمنا بتأليف كتاب "الدرجة المكسورة: عندما ينكسر سلم الترقي للنساء –كيف يمكنهن تحقيق النجاح". هذا الكتاب لم يُكتب من فراغ، بل هو خلاصة عمل يعتمد على أكثر من عشر سنوات من الأبحاث التي أجرتها ماكنزي وجهات أخرى، بالإضافة إلى حوارات مع نساء في مناصب قيادية، وتجاربنا نحن المؤلفين. يهدف الكتاب لمساعدة النساء على فهم أعمق للمشكلة وكيفية تسريع مسارهن المهني لتحقيق أعلى مستوى من الدخل على مدى حياتهن العملية.

عندما ننظر إلى عالم التكنولوجيا بالتحديد، يمكن القول أن الأرقام تؤكد بالفعل ما لاحظته "أنيتا" من تحديات تواجه النساء العاملات في هذا القطاع. بشكل عام، هناك حقيقة مقلقة وهي أن أكثر من نصف النساء العاملات في هذا المجال يتركن العمل بحلول منتصف مسارهن المهني تقريباً. وعند البحث في الأسباب، من النساء اللواتي يتركن القطاع، 23% منهن يذكرن السبب الرئيسي هو نقص دعم الإدارة وقلة الفرص المتاحة. في المقابل، الغالبية العظمى ممن بقين 75%، يؤكدن أن وجود قدوة حسنة من نساء قياديات ساعدهن بشكل كبير على النجاح والتطور في هذا المجال الصعب.

وللتعامل مع هذا الوضع، على الشركات مسؤولية كبيرة لاتخاذ خطوات مهمة لضمان حصول النساء على فرص متساوية في العمل. ولكن الدور ليس كله على الشركات وحدها؛ فبالإضافة إلى الجهود التي تبذلها الشركات لتحسين الأوضاع، يمكن للنساء أنفسهن أن يقمن بخطوات فردية لزيادة فرصهن في تجاوز عقبة 'الدرجة المكسورة' والمضي قدماً في مسارهن المهني.

يبحث كتابنا هذا في كيف يمكن للمرأة أن تزيد من فرص بناء "رصيد الخبرة" الثمين من خلال اختيارها الذكي للقطاعات والشركات والوظائف المناسبة لها. ويوضح أيضاً أهمية بناء وتطوير المهارات الشخصية والمهنية باستمرار كطريق واضح يؤدي إلى الحصول على رواتب أعلى وزيادة الدخل بمرور الوقت. ولا يتوقف الكتاب عند هذا، بل يشرح كذلك كيف يمكن للمرأة بشكل فعال التعامل مع التحيزات التي تواجهها في العمل، وكيف تتخذ قرارات حكيمة للاستعداد للأمومة خلال مسارها المهني، وأيضاً كيفية إدارة التغيرات التي قد تحدث في صحتها الجسدية والمالية على مدار حياتها.

في هذا الجزء من المقال، سنركز على بعض الخطوات العملية والملموسة التي يمكن للمرأة اتخاذها لبناء "رصيد الخبرة" لديها بشكل فعال. وسنتناول العوامل الرئيسية التي تساهم في ذلك، ومنها التأثير المضاعف الذي تحققه شبكات العلاقات المهنية القوية والمتنوعة، وأيضاً أهمية بناء وتطوير المهارات الشخصية، بالإضافة إلى فوائد التفكير بعقلية رائد الأعمال والمبادرة.

قوة شبكات العلاقات ومضاعفة النجاح المهني

دعونا نرى مثالاً حياً على قوة الشبكات وتأثيرها المبكر والإيجابي على المسار المهني، وذلك من خلال قصة "سوزان بروتشا" من شركة "هيرشي" المعروفة. سوزان نفسها تؤكد أن شبكة علاقاتها كان لها تأثير إيجابي كبير على مسارها المهني منذ البدايات الأولى لعملها في مجال الاستشارات. فبعد تخرجها من جامعة "إنديانا الأمريكية"، انضمت سوزان إلى شركة استشارات. هناك، عملت على تطوير استراتيجيات لشركات كُبرى ومعروفة عالمياً. في أول مشروع شاركت فيه، والذي قاده شريك أقدم من الرجال في الشركة، وجدت سوزان أنها كانت الشخص الأصغر سناً والأقل خبرة في الفريق كله، بالإضافة إلى كونها المرأة الوحيدة بينهم في ذلك المشروع المحدد.

لذلك، كانت سوزان متفاجئة جداً عندما لاحظت أن الشريك الأقدم كان يشجعها باستمرار، هي بالتحديد بدلاً من زملائها الأكثر خبرة منها والأقدم في الفريق، على تقديم عملها وعرضه أمام مسؤولين كبار في بنوك عالمية. كان الموقف مخيفاً ومربكاً بالنسبة لها، ولكنت سوزان أدركت على الفور وبحكمة أنها فرصة ثمينة جداً لتتعلم وتكتسب خبرة عملية بشكل سريع في هذا المجال.

في أحد المواقف الصعبة التي واجهتها في ذلك المشروع الأول، تتذكر سوزان تعليقاً مستهجناً ومربكاً من مسؤول كبير بالبنك قائلاً فيه: "ما مقدار ما يمكنكِ معرفته كخريجة جامعية حديثة" لكن سوزان كانت مستعدة جيداً للتعامل بذكاء مع مثل هذه التحديات المباشرة. وبكل ثقة وهدوء، أجابته قائلة: "صحيح أنني قد لا أمتلك كل سنوات خبرتك الطويلة في مجال العمل، لكنني أجريت البحث اللازم وتحدثت مع كل المعنيين الرئيسيين بالمشروع، ويسعدني جداً أن أشاركك هذه النتائج الهامة." وبالفعل، تحسن جو الاجتماع بعد ردها الواثق. ولكن، حتى بعد ذلك الموقف الصعب، قام الشريك الأقدم بسحب العميل جانباً وطلب منه بوضوح أن يكون أكثر احتراماً للفريق. هذا الدعم الكبير من الشريك الأقدم عنى لسوزان الكثير جداً، لأنه لم يدعم عملها الذي قدمته فحسب، بل وقف بظهرها وحماها شخصياً في موقف صعب.

وبعد تلقيها الدعم القيم من الشريك الأقدم، كانت سوزان ممتنة جداً لمرشديها الأوائل الذين ساندوها في بداياتها، لكنها لاحظت مع الوقت ومع تقدمها في مسارها المهني أنهم جميعاً كانوا رجالاً ولم تكن بينهم امرأة مرشدة. لكن يوماً ما، حدث ما غير الأمور؛ فقد اختار عميل مهم امرأة لتكون قائدة لمؤسسة جديدة، وأعجبت سوزان جداً بمشاهدتها وهي تعمل بكفاءة وتميز. إذ تتذكر أنها خلال عرض قدمه زملاؤها الرجال من فريقها، هذه القائدة الكبيرة طلبت رأيها تحديداً في نقطة مهمة بالعرض. كانت هذه أول مرة تشهد فيها بشكل مباشر امرأة قيادية تدعم امرأة أخرى مثلها وتبرزها بشكل علني أمام الجميع. لهذا السبب، هذه القائدة الرائعة أصبحت لاحقاً مرشدة مهمة جداً لسوزان وقدمت لها الكثير من الدعم والنصح القيم. ومنذ ذلك الوقت، وسوزان تتقدم في مناصبها القيادية بشركات كُبرى مثل "جنرال ميلز" و "هيرشي"، وهي تبذل جهداً مستمراً ومتواصلاً لرد الجميل ودعم نساء أخريات ومساعدتهن في مسارهن المهني.

وهكذا قصة سوزان التي رويناها هي مجرد مثال واحد يوضح أهمية شبكات العلاقات في بناء مسار مهني ناجح وتحقيق التقدم فيه. الناس بشكل عام يدركون بفطرتهم قوة شبكات العلاقات هذه وتأثيرها الإيجابي على الفرص، ولكنهم لا يعرفون دائماً الخطوات العملية لبناء هذه الشبكات وتفعيلها للاستفادة منها بشكل كامل في حياتهم المهنية.

فـامتلاك شبكة علاقات قوية يمكن أن يسرع بشكل كبير من اكتسابكِ للخبرة وتراكمها، وذلك من خلال تفعيل عدة نقاط قوة تعمل لصالحكِ وتفتح لكِ الأبواب. خذي مثلاً عملية البحث عن فرصة عمل؛ على الأقل 70% من الوظائف الشاغرة في سوق العمل لا يتم الإعلان عنها أبداً أو طرحها بشكل عام للجميع، مما يجعل من الصعب جداً معرفة هذه الفرص والوصول إليها إن لم تكن لديكِ شبكة علاقات قوية وممتدة. وعند مرحلة تقديم الطلبات للوظائف بشكل فعلي، فإن المحترفين الذين يتم ترشيحهم أو التوصية بهم من قبل شخص يعمل داخل الشركة المستهدفة، تزيد احتمالية حصولهم على الوظيفة بتسعة أضعاف مقارنة بالآخرين الذين يقدمون بشكل مباشر ودون توصية.

وأهمية شبكات العلاقات تستمر معكِ وتظل حاسمة طوال مساركِ المهني بأكمله، ولا تتوقف عند البحث عن أول فرصة عمل. فكلما كانت شبكتكِ أكبر وأوسع، زادت فرصتكِ بشكل كبير في الوصول إلى فرص عمل ومعلومات قيمة وعلاقات أخرى مفيدة جداً يمكن أن تدعم تقدمكِ. والشبكات المكونة من أشخاص من مجالات عمل وشركات وخلفيات ومستويات وظيفية مختلفة ومتنوعة يمكن أن تساعدكِ بشكل فعال في التعرف على مجالات اهتمام جديدة وفتح الأبواب الصحيحة لكِ في رحلتكِ المهنية.

ولكن، التحدي يكمُن في أن النساء حول العالم يواجهن صعوبة في بناء شبكات علاقات قوية ومؤثرة مثل شبكات الرجال. ففي المتوسط، شبكات العلاقات المهنية لدى النساء تكون أصغر حجماً وأقل تنوعاً من حيث طبيعة الوظائف، ومدة الخبرة (الأقدمية)، ومجال الصناعة أو العمل. كما أن النساء غالباً ما يملن إلى تكوين شبكات تتكون بشكل كبير من نساء أخريات فقط، وهذا قد يحد من فرص التعرض لوجهات نظر وخبرات متنوعة ضرورية للتقدم في المسار المهني.

ولذلك، يصبح وجود رجال ونساء في شبكة علاقاتكِ المهنية هو أمر بالغ الأهمية لمساركِ المهني المستقبلي. إن الرجال يحتلون عدداً أكبر بكثير من المناصب القيادية العُليا في الشركات والمؤسسات، وهذا يمنحهم قوة أكبر وقدرة على التأثير وفتح الأبواب لكِ ولغيرك. فعلى سبيل المثال، لو افترضنا أن شبكتكِ تفتقر لعدد كافٍ من الرجال في تلك المستويات، ستفقدين فرصاً مهمة جداً يمكنهم توفيرها لكِ في تلك المستويات العُليا. أضف إلى ذلك، النساء القياديات اللواتي وصلن للقمة عادة ما يبذلن جهداً مضاعفاً في إرشاد ودعم عدد أكبر من الأشخاص بشكل عام مقارنة بزملائهم الرجال، وهذا يقلل نوعاً ما من الوقت المتاح لديهن لدعم نساء إضافيات جديدات.

ومما يزيد الأمر تعقيداً، أن النساء أحياناً يجدن أنفسهن مستبعدات من شبكات العلاقات الرسمية وغير الرسمية الهامة جداً التي تعتبر أساسية للترقية. هذا يحدث جزئياً بسبب قلق لدى بعض المديرين الرجال الكبار في المناصب العُليا بشأن التعامل اللائق مع النساء؛ حيث يقول أكثر من نصف المديرين الرجال في استطلاعات الرأي إنهم لا يرتاحون للعمل بمفردهم مع امرأة في بيئة غير رسمية. كما يتردد هؤلاء المديرون الرجال في المستويات العُليا غالباً في التخطيط لعشاء عمل أو رحلات سفر مع موظفة في مستوى وظيفي أقل. لذا من المهم جداً إيجاد طرق لمعالجة هذه القضايا بشكل يضمن ألا تجد المرأة نفسها في موقف ضعف أو حرمان من فرص بناء الشبكات الهامة هذه.

قيمة العلاقات المهنية

وفي سياق الحديث عن نوع العلاقة التي تربطكِ بمن هم في شبكتكِ المهنية فهو عامل مهم آخر يؤثر في مساركِ. وبينما يُعد بناء روابط قوية مع الزملاء في نفس المستوى الوظيفي أو في المستويات الأدنى أمراً ذا قيمة وفائدة، إلا أن القادة في المناصب العُليا والأكثر خبرة هم من يمتلكون قدرة أكبر بكثير على تقديم المشورة القيمة والدعم الفعال وفتح آفاق أوسع من الفرص لكِ.

وتتكون شبكتكِ المهنية غالباً من أنواع مختلفة من العلاقات. النوع الأول هو من نطلق عليهم اسم "المعارف" أو "العلاقات"؛ وهم الأشخاص الذين تعرفينهم في محيط عملكِ أو حياتكِ الشخصية، ومستواهم المهني قد يكون أعلى منكِ، أو في نفس مستواكِ، أو أقل منكِ. والنوع الثاني هم من نطلق عليهم اسم "المرشدين"؛ وهم في الغالب أشخاص أكثر خبرة منكِ وأعلى منصباً، يشاركونكِ معارفهم وحكمتهم ويقدمون لكِ النصح. أما النوع الثالث، وهم الأكثر أهمية وتأثيراً، فهم من نطلق عليهم اسم "الرعاة"؛ وهؤلاء يفهمونكِ ويلهمونكِ كحال المرشد، لكنهم يذهبون أبعد من ذلك ليفتحوا لكِ أبواب الفرص الحقيقية على مصراعيها، مثل الترقيات في المنصب، أو إعطائكِ دوراً بارزاً في اجتماع، أو زيادة ظهوركِ وتقديركِ داخل المؤسسة.

ولأهميتهم البالغة، يُعد الرعاة أساسيين بشكل خاص لمساعدتكِ على التقدم في مساركِ المهني. وإليكِ الأرقام التي تؤكد ذلك بقوة: مقابل كل راعٍ جديد تكسبينه وتدعمه شبكتكِ، تزداد فرصتكِ في الحصول على ترقية في العمل بنسبة 10%. وإذا كان لديكِ أربعة رعاة أو أكثر، فإن احتمالية ترقيتكِ تزيد بخمسة أضعاف مقارنة بمن ليس لديهم هذا العدد الكافي من الرعاة. لكن الواقع يظهر أن النساء، وكذلك الأشخاص من أصحاب البشرة الملونة، غالباً ما يكون لديهم مرشدون كُثر يقدمون النصح والإرشاد فقط، بينما يفتقرون إلى عدد كافٍ من الرعاة الذين يفتحون لهم الأبواب ويخلقون لهم الفرص المهنية الحقيقية للتقدم.

وفي سبيل توسيع شبكتكِ المهنية وتنويعها، عليكِ أن تدفعي نفسكِ باستمرار خارج منطقة راحتكِ المعتادة، وأن تواصلي بفعالية مع المرموقين ومع المسؤولين التنفيذيين الكبار في مجال عملكِ. وابذلي جهداً حقيقياً لحضور الفعاليات والتجمعات الهامة التي يحضرها الأشخاص المؤثرون في مجالكِ، حتى لو كنتِ لا تعرفين أحداً فيها في البداية. وأدركي قوة ما يُعرف بـ "الروابط غير المباشرة" أو "العلاقات الثانوية"؛ وهم الأشخاص الذين لا تملكين معهم اتصالاً مباشراً وقوياً، أو هم من معارف معارفكِ. فهؤلاء قد يكون لهم قيمة كبيرة جداً من حيث فرص العمل والترقيات التي قد لا تصلكِ عبر شبكتكِ المباشرة والقريبة.

وإذا أردتِ لشبكتكِ المهنية أن تفيدكِ حقاً، فبينما العلاقات العامة مع المعارف مفيدة، اجعلي تركيزكِ الأكبر على بناء روابط قوية مع مرشديك ورعاتكِ الحاليين، وكذلك مع من تطمحِ أن يصبحوا مرشدين أو رعاة لكِ مستقبلاً. وأفضل سبيل لتحقيق هذا التواصل هو اللقاء الفردي معهم؛ فغالبية الناس (حيث يؤكد 95% من الرجال و93% من النساء) يجدون أن تبادل النصح والإرشاد وتبادل الخبرة يكون أيسر وأكثر فعالية في جو شخصي وهادئ ومريح. واحرصي على أن تكون العلاقة تبادلية المنفعة، حتى لو كان الطرف الآخر أعلى منكِ منصباً بكثير وأكثر خبرة في مجال العمل. لذلك، حاولي تقديم المساعدة لهم متى سنحت الفرصة، وابحثي بنشاط عن فرص للتعاون أو العمل معهم مباشرة. وتأكدي دائماً من إخبارهم طموحاتكِ وأهدافكِ المهنية بوضوح تام، لكي يتمكنوا من دعمكِ ومساعدتكِ في الوصول إليها.

وأخيرًا، من المهم جدًا أن تتسم شبكتكِ بروح من الدعم المتبادل الذي يسير في كلا الاتجاهين؛ أي أنك تدعمين من فيها، وهن يدعمنكِ. حاولي أن تقدمي المساعدة للنساء الأخريات في شبكتكِ كلما استطعتِ، و اسعي بجد لـ "رد الجميل" وتمرير الدعم والفرص لمن يأتي بعدكِ. وعندما توفقين في أن تصبحي قائدة في منصب أعلى وأكثر تأثيراً، فكري بجدية في أن تقدمي "رد الجميل" للمجتمع المهني النسائي من خلال توجيه ودعم ورعاية النساء الأخريات الطموحات. بهذا، ستلعبين دوراً جوهرياً وأساسياً في مساعدتهن على بناء "رصيد الخبرة" الخاص بهن، والتقدم عبر مسارات الترقية والتطور المهني دون أن تعرقلهن "الدرجات المكسورة" التي واجهتكِ وواجهت غيركِ من قبلكن.

القيمة الحقيقية للمهارات الشخصية

وبالإضافة إلى أهمية شبكات العلاقات، تلعب المهارات الشخصية دوراً حيوياً في بناء مسار مهني ناجح. وفي هذا السياق، تتحدث "جولي مورجنسترن" عن نفسها قائلة إنها في صغرها كانت من أكثر الأشخاص فوضوية وعدم تنظيم في العالم. كانت تتأخر دائماً، وتترك كل شيء للحظة الأخيرة، وتقضي ما يبدو وكأنه نصف وقتها في البحث عن الأشياء التي فقدتها. ولكن عفويتها كانت تتماشى مع كونها شخصية مبدعة تعمل في مجال المسرح، ورغم كل هذه الفوضى، كانت تستطيع إنجاز عمل ممتاز.

ولكن، هذا النمط من الفوضى وعدم التنظيم كان يستنزف طاقتها ويسبب لها ضغطاً وقلقاً كبيرين. فعدم تنظيمها، بالإضافة إلى عدم دراستها في جامعة مرموقة، جعل "جولي" تشعر أنها بدأت مسارها المهني في وضع غير مواتٍ. كانت خطوتها الأولى هي التركيز على التعلم من كل شخص تقابله، معتقدةً أن كل شخص لديه مهارة أو موهبة أو وجهة نظر فريدة يمكن أن يعلمها إياها وتضيف إلى رصيد خبرتها.

ثم أصبحت جولي أُماً. وذات يوم، قررت أن تذهب في نزهة مع ابنتها الوليدة التي كانت قد استيقظت لتوها من قيلولتها. وكعادتها العفوية دائماً، بدأت تلتقط بسرعة بعض الأشياء التي قد تحتاجها الطفلة. لكنها لم تستطع العثور على نصف هذه الأشياء. وما إن تجد شيئاً، حتى تتذكر شيئاً آخر ضرورياً. بعد ساعتين، كانت الطفلة قد عادت لتنام مرة أخرى، وفاتتهما فرصة النزهة بسبب فوضوية "جولي".

في السابق، كانت جولي هي الضحية الوحيدة لفوضويتها. لكن الآن، فجأة أدركت ما قد يحدث، فرأت ابنتها وهي تتأخر عن مواعيد الطبيب وتصل متأخرة إلى المدرسة في المستقبل. لم يبدُ هذا عادلاً على الإطلاق بالنسبة لطفلتها. جلست "جولي" على أرض غرفة الطفلة وبدأت بتنظيم حقيبة الحفاضات لرحلاتها المستقبلية. ومنذ ذلك الحين، بدأت ببطء في تنظيم كل شيء آخر في حياتها. وبعيداً عن كبح عفويتها الإبداعية، وجدت أن وجود كل شيء تحتاجه بسهولة وفي متناول يدها كان يغذي إبداعها ويقويه بشكل لم تتوقعه.

لقد كان التغيير الذي حققته "جولي" عميقًا لدرجة أنها قررت أن تبدأ عملًا خاصًا بها تساعد به الآخرين على الانتقال من الفوضى إلى النظام. ولأنها أدركت أن نجاح عملها يعتمد على تقديم حلول عملية وفعالة، قامت بإعداد قائمة بأسئلة محددة لتساعدها على فهم احتياجات كل عميل بشكل كامل. تقول "جولي" إنكِ لكي تصبحي مستمعة بارعة ومتفهمة، عليكِ أن تسألي أسئلة ممتازة ومهمة، وأن تهدفي إلى التحدث بنسبة 20 بالمئة فقط من الوقت، وأن تقضي بقية الوقت في الاستماع الجيد، وتدوين الإجابات، وتوضيح أي شيء لا تفهمينه بوضوح. والأهم من ذلك كله، لا تقدمي أي توصيات أو مقترحات قبل أن تأخذي وقتًا كافيًا لاستيعاب وتحليل ما قاله الشخص الآخر بشكل كامل. وعندما بدأت توظف مدربين للعمل معها، قامت بتعليمهم نسخ وتكرار هذه الخطوات نفسها مع عملائهم.

وعلى مدى أكثر من 30 عاماً منذ أن بدأت "جولي" عملها الخاص، قامت بتعليم عدد لا يحصى من النساء كيفية استخدام نفس المهارات لتحسين مساراتهن المهنية. وأصبحت خبيرة معروفة جداً في مجال التنظيم والإنتاجية، ومتحدثة رئيسية في المؤتمرات، ومدربة تنفيذية للقيادات، ومؤلفة لأكثر الكُتب مبيعاً.

وهكذا، تثبت قصة "جولي" أن المهارات الشخصية ليست فطرية بل يمكن اكتسابها وتعلمها. بل إنها يمكن أن تكون أساساً قوياً جداً لبناء مسار مهني مبهر ومثير للإعجاب.

المهارات التي تصنع الفارق بهدوء

وتشمل المهارات الشخصية مجموعة واسعة ومتنوعة من القدرات المعقدة التي تندرج تحت خمس فئات رئيسية أوسع. وهذه الفئات هي: الوعي الذاتي وإدارة الذات، وريادة الأعمال والمبادرة، والقدرة على تحريك الأنظمة والتأثير فيها (بما في ذلك أن تكون قدوة حسنة وعقد اتفاقيات مربحة للطرفين)، وبناء وتطوير العلاقات، وتعزيز فعالية العمل الجماعي.

ولكن على الرغم من الحاجة الواضحة لهذه المهارات في بيئة العمل، إلا أنها كانت تاريخياً أقل تقديراً وقيمة هناك. حتى أن التسمية نفسها "المهارات الناعمة" توحي بأنها أقل أهمية وتعقيداً من المهارات الصعبة، وهي القدرات الفنية والمحددة والقابلة للقياس التي يلزم امتلاكها لأداء عمل معين في مهنة أو مجال صناعة.

ومن المثير للانتباه، أن المهارات الشخصية غالباً ما ترتبط بشكل نمطي بالنساء، بناءً على افتراض أنهن بطبيعتهن أفضل في الاستماع والتواصل وإظهار التعاطف من الرجال. وهذه النظرة النمطية نفسها تعزز خرافة أن النساء يمتلكن أيضاً مهارات صعبة أضعف من الرجال. هذا الافتراض الخاطئ مهم لأنه يؤثر على الواقع؛ فغالباً ما يتم إدراج المهارات الصعبة بشكل أساسي في متطلبات الوظائف، وتُستخدم لاتخاذ قرارات التوظيف، خاصة للوظائف ذات الأجور العالية. وأظهر تحليل لأكثر من عشرة ملايين إعلان وظيفي أن الوظائف التي تتطلب مهارات صعبة (مثل لغات برمجة محددة) تدفع رواتب أعلى بضعفين مقارنة بالوظائف التي تتطلب مهارات شخصية (مثل التواصل والعمل الجماعي).

ومع ذلك، فإن المهارات الشخصية تساهم بشكل هادئ في النجاح المهني. وقد كشف استطلاع أجرته شركة ماكنزي شمل 18 ألف شخص في 15 دولة أن المهارات الشخصية، رغم أنها يمكن تعلمها، إلا أنها لا ترتبط بالتعليم الرسمي بنفس درجة ارتباط المهارات الصعبة به. وعلى الرغم من أن إعلانات الوظائف قد لا تظهر أهمية المهارات الشخصية بوضوح، إلا أن العاملين الذين يتقنونها بشكل كبير يحصلون على معدلات توظيف أعلى، ورواتب أعلى، ورضا وظيفي أكبر مقارنة بمن يفتقرون إليها.

وتزداد قيمة المهارات الشخصية بشكل ملحوظ كلما تقدمتِ في مساركِ المهني. فمع تحول بيئة العمل وتراجع الحاجة للمهام الروتينية واليدوية التي يمكن أن تؤديها الآلات، تزداد الحاجة إلى العاملين الذين يمتلكون القدرة على التفاعل البشري على مستويات أعلى وأكثر تعقيداً. ففي بداية مساركِ المهني، قد تكون قيمتكِ مرتبطة أكثر بخبرتكِ المتخصصة في مجال معين. لكن كلما ارتقيتِ في المناصب، تزداد قيمة قدرتكِ على القيادة وإلهام الآخرين والتعاون معهم. في الواقع، هذه القدرة هي فارق كبير بين القادة الجيدين والقادة العظماء.

ريادة الأعمال مهارة لا مجرد مهنة

وبالانتقال للحديث عن نوع محدد من المهارات الشخصية يحظى بأهمية متزايدة، نتحدث عن ريادة الأعمال. فعندما نفكر في رائد الأعمال، يتخيل معظمنا شخصاً، مثل "جولي"، قام بتأسيس شركة خاصة به. ورغم أن هذا شكل شائع وواضح لريادة الأعمال، إلا أن هناك أشكالاً أخرى كثيرة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تظهر ريادة الأعمال على شكل أخذ زمام المبادرة، أو بدء مشروع جديد، أو تحديد فرص جديدة للتأثير، أو بناء فريق عمل. ويمكن أن تعني أيضاً أن تصبح شخصاً يعمل بشكل مستقل أو متعاقداً، أو أن تتولى إدارة عمل تجاري قائم بالفعل. في الواقع، الأصح والأكثر دقة هو التفكير في ريادة الأعمال كمجموعة من المهارات التي يمكنكِ استخدامها في أدوار مختلفة ومتنوعة، وليس كمجرد وظيفة محددة.

وتشمل هذه المهارات صفات وخصائص هامة، منها الشجاعة والميل للمخاطرة؛ وقيادة التغيير والابتكار؛ والطاقة والشغف والتفاؤل؛ والقدرة على كسر الأساليب التقليدية والمألوفة. هذه الصفات ضرورية بالطبع لمؤسس شركة، لكن الحقيقة هي أنه بغض النظر عن دوركِ المهني، فهي حاسمة أيضاً لتقدمكِ في مساركِ المهني. وبما أنها ليست قابلة للقياس بشكل مباشر أو مرتبطة مباشرة بالتعليم الأكاديمي، فإن امتلاك عقلية ريادة الأعمال يندرج تحت مظلة المهارات الشخصية التي سيكون عليها طلب متزايد في المستقبل.

غالباً ما يكون القادة الكبار ذوو المهارات الريادية الممتازة مرشحين لأعلى المناصب الوظيفية. ولكن كما هو الحال في بناء شبكات العلاقات، توجد أيضاً فجوة بين الجنسين في مجال ريادة الأعمال. في المرحلة الأولى من ريادة الأعمال، حيث يتم فقط تحديد الفرص وتطويرها، تتخلف مشاركة النساء عن الرجال، ويستمر هذا التفاوت من مرحلة نية تأسيس عمل تجاري وصولاً إلى المراحل المبكرة من تأسيس الشركة.

وتعاني رائدات الأعمال أيضاً من نقص حاد في التمويل اللازم لمشروعاتهن. ففي عام 2020، ذهب 2.3% فقط من تمويل رأس المال على مستوى العالم إلى الشركات التي تقودها نساء. وفي الولايات المتحدة، حوالي نصف الشركات الناشئة يؤسسها نساء، لكن الشركات الناشئة التي تتكون فرقها بالكامل من نساء تتلقى 1.9% فقط من تمويل رأس المال. وبشكل عام في جمع التمويل، تجمع رائدات الأعمال 38 سنتاً مقابل كل دولار واحد يجمعه رائد أعمال ذكر.

ومع ذلك، غالباً ما تكون الشركات التي تملكها نساء أكثر ربحية من تلك التي يقودها رجال. فالشركات الناشئة التي تملكها نساء تحقق 78 سنتاً من الإيرادات مقابل كل دولار واحد يتم استثماره فيها، مقارنة بـ 31 سنتاً فقط تحققها الشركات التي يملكها رجال. لذلك، ليست رائدات الأعمال هن الوحيدات اللواتي يخسرن بسبب نقص التمويل، بل المستثمرون أنفسهم يفوتون فرصاً استثمارية قيمة ومربحة.

وإذا كنتِ رائدة أعمال تسعين لتنمية رصيد خبرتكِ القيم، ففي معظم الحالات، يُنصح النساء اللواتي يرغبن في زيادة رصيد خبرتهن بالقيام بخطوات جريئة والانتقال بين مجالات عمل وأدوار مختلفة. ولكن في مجال ريادة الأعمال، الأمر مختلف قليلاً. فأنجح رائدات الأعمال غالباً ما يميلن إلى تأسيس شركات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمجالات عملهن وأدوارهن السابقة، ويستفدن بشكل عميق من خبرتهن المتخصصة في تلك الصناعة.

استغلال العلاقات بذكاء

وتوضح قصة "كريستا بيتس" هذه الفكرة بشكل ممتاز. في بداية مسارها المهني، كانت "كريستا" تعمل في مجال المبيعات لدى شركة لتصنيع النوافذ والأبواب، عندما أقنعتها والدة زوجها بحضور تجربة أداء للمقدمين التلفزيونيين في قناة التسوق QVC. اعتقدت "كريستا" أن الفكرة سخيفة، لكنها جارتها وخاضت التجربة. وفوجئت بأنها حصلت على الوظيفة.

كان العمل في QVC أشبه بالحصول على درجة الماجستير في مجال البيع بالتجزئة، كما قالت "كريستا". لاحقاً، تعلمت تحليل البيانات، والإحصاء، وترويج المنتجات. كما تعلمت كيف تجذب اهتمام المشتري المحتمل من الناحية العاطفية (ما يُسمى "عامل الرومانسية")، وذلك بمساعدتهم على تخيل كيف سيجعلهم المنتج يبدون ويشعرون، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً المواصفات الفنية للمنتج واعتبارات السعر. وحصلت على ملاحظات فورية ومباشرة من العملاء الذين كانوا يتصلون. والأهم من ذلك، أنها كانت تلتقي برواد الأعمال الذين صنعوا المنتجات التي تبيعها. وحرصت على سؤالهم عما نجحوا فيه وعما تمنوا لو أنهم فعلوه بشكل مختلف في البداية. وهذا منحها تعليماً لا يقدر بثمن حول كيفية إطلاق عمل تجاري وما هي المخاطر التي يجب تجنبها.

أما في أتلانتا، مسقط رأس "كريستا"، فكانت والدتها وأختها تعملان على مشروع شخصي أحبتاه كثيراً، ولم يعتقدا يوماً أنه سيتجاوز كونه مجرد هواية أو مصدر دخل بسيط. هذا المشروع كان جزءاً من تقليد عائلي قديم يعود لأجيال في عائلة الأم: قبل كل عيد ميلاد، كانت العائلة تضع لعبة قزم، وتخبر الأطفال أنه مساعد لبابا نويل، ومهمته إبلاغه عن سلوك الأطفال.

ومن هنا، قررت "كريستا" أنها إذا كانت ستستمر في العمل بنفس الجهد الذي كانت تبذله في QVC، فسيكون ذلك لمساعدة والدتها وأختها في مشاركة مشروعهما مع العالم. وقد أصبحت أخت "كريستا"، وهي معلمة، القوة الإبداعية وراء هذا العمل التجاري. في حين تولت "كريستا" إدارة جميع العمليات. ثم قاما بتأسيس شركة "لوميستيلا" وأصدرتا كتابها المميز "القزم على الرف".

ومنذ إطلاقه، حقق مشروع "القزم على الرف" نجاحاً عالمياً واسعاً. فقد اشترى أكثر من 19 مليون شخص حول العالم لعبتهم الخاصة من "القزم على الرف". شركة "لوميستيلا"، التي بات لديها 150 منتجاً إضافياً تُباع في 23 دولة، توظف الآن 110 أشخاص، ولديها شراكات مع علامات تجارية معروفة مثل "هاربر كولينز"، "نتفليكس"، و"فود نتوورك". يمثل هذا التوسع تطبيقاً ريادياً لكل جانب من جوانب المعرفة العميقة في مجال البيع بالتجزئة التي اكتسبتها كريستا في QVC.


وفي ختام هذا المقال، وبعد استعراض الجوانب المختلفة للمسار المهني للمرأة، نرى أن هناك ركائز أساسية للنجاح. هذه الركائز تتمثل في بناء شبكة علاقات قوية، وتطوير المهارات الشخصية (بما في ذلك ريادة الأعمال)، وزيادة رصيد الخبرة. وسواء كنتِ تطمحين لتأسيس عملكِ الخاص، أو تهدفين للقيادة في منظمة كُبرى، أو تسعين للتميز في دوركِ الحالي، فإن تركيزكِ على هذه الركائز سيفتح لكِ أبواباً جديدة ويعزز فرص نجاحكِ وتحقيق أهدافكِ. فالاستثمار في هذه الجوانب هو المفتاح للتغلب على العقبات والصعود في سلم القيادة.

Explore a career with us